ولما كان التقدير: "وليس الإمداد بهم موجبا للنصر"؛ وكان قد قدم في أول السورة قوله: والله يؤيد بنصره من يشاء ؛ قال هنا [ ص: 58 ] - قاصرا للأمر عليه -: وما جعله الله ؛ أي: الإمداد المذكور؛ وذكره لكم على ما له من الإحاطة بصفات الكمال التي لا يحتاج مراقبها إلى شيء أصلا؛ إلا بشرى ؛ ولما كانت الهزيمة عليهم في هذه الكرة؛ وكان المقتول منهم أكثر؛ قال: لكم ؛ لئلا يتوهم أن ذلك بشرى لضدهم؛ ولمثل هذا قدم القلوب؛ فقال: ولتطمئن ؛ وعلم أن التقدير - لتكون الآية من الاحتباك -: "لتستبشر نفوسكم به؛ وطمأنينة لكم؛ لتطمئن قلوبكم به "؛ أي: الإمداد؛ فحكم هنا بأنه بشرى؛ مقيدا بـ "لكم"؛ فكانت العناية بضمير أشد؛ حتى كأنه قيل: "إلا وبشرى لكم؛ وطمأنينتكم"؛ فوجب تأخير ضميره عنهم؛ والمعنى أنهم كانوا أولا خائفين؛ فلما وردت البشرى اطمأنوا بها؛ رجاء أن يفعل بهم مثل ما فعل في "بدر"؛ فلما اطمأنوا بها وقع النصر؛ كما وقع به الوعد؛ ثم لما اطمأنت قلوبهم إلى شيء ألز قوتها؛ لأنه قد سبق لها نصر؛ وسرور؛ بضرب؛ وطعن؛ في "بدر"؛ [ ص: 59 ] وغيرها؛ فلمحت نحو شيء من ذلك; حصلت الهزيمة؛ ليصيروا إلى حق اليقين؛ بأنه لا حول لهم؛ ولا قوة؛ ولذلك قال (تعالى): وما النصر ؛ أي: في ذلك وغيره؛ إلا من عند الله ؛ أي: المستجمع لصفات الكمال؛ لا بمدد؛ ولا غيره؛ فلا تجدوا في أنفسكم من رجوع من رجع؛ ولا تأخر من تأخر؛ ولا هزيمة من انهزم.
ولما قدم أمر "بدر"؛ هنا؛ وأول السورة؛ وتحقق بذلك ما له من العزة؛ والحكمة؛ قال: العزيز ؛ الذي لا يغالب؛ فلا يحتاج إلى قتال أحد؛ ولا يحتاج في نصره - إن قاتل - إلى معونة أحد؛ الحكيم ؛ الذي يضع الأشياء في أتقن محالها؛ من غير تأكيد؛ أي: الذي نصركم قبل هذه الغزوة؛ وفي أول النهار فيها؛ ليس لكم؛ ولا لغيركم ناصر غيره؛ فمتى التفت أحد إلى سواه وكله إليه؛ فخذل؛ فاحذروه؛ لتطيعوه طاعة أولي الإحسان؛ في كل أوان؛ وهذا بخلاف ما في قصة "بدر"؛ في "الأنفال"؛ وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق بها من المقال؛ مما اقتضاه هناك الحال؛ و"الحكيم"؛ رأس آية؛ بإجماع أهل العلم؛ كما في "الأنفال"؛