ولما نظم سبحانه هذا الدليل في صنع الآدمي من التراب، وختمه بأن دلالته على - بإجراء سنته في إرجاع أواخر الأمور على أوائلها وغير ذلك - لا يحتاج إلى غير العقل، أنتج [عنه] قوله: البعث هو لا غيره الذي يحيي ويميت كما تشاهدونه في أنفسكم وكما مضى لكم الإشارة إليه بخلق السماوات والأرض، فإن من خلقهما خلق ما بينهما من الآجال المضروبة باختلاف الليل والنهار والشهور والأعوام لبلوغ الأفلاك مواضعها، ثم رجوعها عودا على بدء مثل تطوير الإنسان بعد الترابية من النطفة إلى العلقة إلى ما فوقها، ثم رجوعه في مدارك هبوطه إلى أن يصير ترابا كما كان، فليست النهاية بأبعد من البداية.
ولما كانت إرادته لا تكون إلا تامة نافذة، سبب عن ذلك قوله معبرا بالقضاء: فإذا قضى أمرا أي: أراد أي أمر كان من القيامة أو غيرها فإنما يقول له كن ولما كانت " إذا " شرطية أجابها في قراءة بقوله: ابن عامر فيكون وعطفها في قراءة غيره على " كن " بالنظر إلى معناه، أو يكون خبرا لمبتدأ [أي]: فهو يكون، وعبر بالمضارع تصويرا للحال وإعلاما بالتجدد عند كل قضاء، وقد مضى في سورة البقرة إشباع الكلام في توجيه قراءة بما تبين به أنها [ ص: 112 ] أشد من قراءة غيره. ابن عامر