في الحميم أي: الماء الحار الحاضر الذي يكسب الوجوه سوادا، والأعراض عارا، والأرواح [ ص: 115 ] عذابا والأجسام نارا، والقلوب هما واللحوم ذوبانا واعتصارا، وذلك عوض ترفيعهم لأنفسهم عن سحبها بأسباب الأدلة الواضحات في كلف العبادات ومرارات المجاهدات وحرارات المنازلات.
ولما أخبر عن تعذيبهم بالماء الحار الذي من شأنه أن يضيق الأنفاس، ويضعف القوى، ويخفف القلوب، أخبر بما هو فوق ذلك فقال: ثم في النار أي: عذابها خاصة يسجرون أي: يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين مركوبين كما يسجر التنور بالحطب - أي: يملأ - وتهيج ناره، وكما يسجر - أي: يصب - الماء في الحلق، فيملؤونها فتحمى بهم ويشتد اضطرامها لكونهم كانوا في الدنيا وقود المعاصي، والفتن بهم يشب وقودها ويقوى عودها، ويثبت عمودها، لأنهم لم يلقوا أنفسهم في نيران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفات الشهوات في أبواب الأوامر والنواهي، التي هي في الظاهر نيران، وفي الحقيقة جنان.