ولما كان التقدير: لا أحد أحسن قولا منه، بل هو المحسن وحده، فلا يستوي هذا المحسن وغيره أصلا، ردا عليهم أن حالهم أحسن من حال الدعاة إلى الله، وكان القيام بتكميل الخلق يحتاج إلى جهاد للنفس عظيم من تحمل المشاق والصبر على الأذى، وغير ذلك من جميع الأخلاق، عطف عليه التفرقة بين عمليهما ترغيبا في الحسنات فقال: ولا تستوي أي وإن اجتهدت في التحرير والاعتبار الحسنة أي لا بالنسبة إلى أفراد جنسها ولا بالنسبة إلى عامليها عند وحدتها، واجتهادهم فيها ولا بالنسبة إلى غيرها، وإلى ذلك إشارة بالتأكيد في قوله: لتفاوت الحسنات في أنفسها، والحسنة الواحدة باعتبار نيات العاملين لها ولا السيئة أي في نفسها ولا بالنسبة إلى جنس آخر. [ ص: 188 ] ولما أنتج هذا الحث على الإقبال على الحسن والإعراض عن السيئ، وأفهم أن كلا من القسمين متفاوت الجزئيات متعالي الدرجات، وكان الإنسان لا ينفك عن عوارض تحصل له من الناس ومن نفسه يحتاج إلى دفع بعضها، أنتج عند قصد الأعلى فقال: ادفع أي كل ما يمكن أن يضرك من نفسك ومن الناس بالتي أي الخصال والأحوال التي هي أحسن على قدر الإمكان من الأعمال الصالحات فالعفو عن المسيء حسن، والإحسان أحسن منه فإذا الذي بينك وبينه عداوة عظيمة قد ملأت ما بين البينين فاجأته حال كونه كأنه ولي أي قريب ما يفعل القريب حميم أي في غاية القرب لا يدع مهما إلا قضاه وسهله ويسره، وشفا علله، وقرب بعيده، وأزال درنه، كما يزيل الماء الحار الوسخ.