ولما وصف الذكر بأنه لا يصح ولا يتصور أن يلحقه نقص، فبطل قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ونحوه مما مضى وحصل الأمن منه، أتبعه التسلية مما يلحق به من الغم ليقع الصبر على جميع أقوالهم فقال: ما يقال لك أي يبرز إلى الوجود قوله سواء كان في ماضي الزمان أو حاضره أو آتيه من شيء من الكفار أو غيرهم يحصل به ضيق صدر أو تشويش فكر من قولهم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه إلى آخره. وغير ذلك مما تقدم أنهم قالوه له [ ص: 203 ] متعنتين به إلا ما أي شيء قد قيل أي حصل قوله على ذلك الوجه للرسل وإن لم يقل لكل واحد منهم فإنه قيل للمجموع، ونبه على أن ذلك ليس لمستغرق للزمان بل تارة وتارة بإدخال الجار في قوله: من قبلك ولما حصل بهذا الكلام ما أريد من التأسية، فكان موضع التوقع لهم أن يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم من عذاب الاستئصال، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الشفقة عليهم والمحبة لصلاحهم، سكن سبحانه روعه بالإعلام بأن رحمته سبقت غضبه فقال مخوفا مرجيا لأجل إنكار المنكرين: إن وأشار إلى مزيد رفعته بذكر صفة الإحسان وإفراد الضمير فقال: ربك أي المحسن إليك بإرسالك وإنزال كتابه إليك، ومن أكرم بمثل هذا لا ينبغي له أن يحزن لشيء يعرض لذو مغفرة أي عظيمة جدا في نفسها وزمانها ومكانها لمن يشاء منهم، فلا يقطع لأحد بشقاء.
ولما رغبهم باتصافه بالمغفرة، رهبهم باتصافه بالانتقام، وأكد بإعادة "ذو" والواو فقال: وذو عقاب والختم بما رويه الميم مع تقديم الاسم الميمي في التي قبلها دال للأشعري الذي قال بأن الفواصل غير مراعية في الكتاب العزيز، وإنما المعول عليه المعاني لا غير، والمعنى هنا على إيلام من كانوا يؤلمون أولياءه باللغو عند [ ص: 204 ] التلاوة الدالة على غاية العناد، فلذلك قدم حكيم، ولم يقل شديد، وقال: أليم أي كذلك، فلا يقطع لأحد نجاة إلا من أخبر هو سبحانه بإشقائه أو إنجائه، وقد تقدم فعله لكل من الأمرين أنجى ناسا وغفر لهم كقوم يونس عليه الصلاة والسلام، وعاقب آخرين، وسيفعل في قومك من كل من الأمرين ما هو الأليق بالرحمة بإرسالك، كما أشار إليه ابتداؤه بالمغفرة، فالآية نحو: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ولعله لم يصرح هنا تعظيما للقرآن الذي الكلام بسببه.