ولما بين جهل الإنسان في حالات مخصوصة باليأس عند مس الشر، والأمن عند ذوق النعمة بعد الضر، بين حاله عند النعمة مطلقا ودعاءه عند الشر وإن كان قانطا تكريرا لتقلب أحواله وتناقص أقواله وأفعاله تصريفا لذلك على وجوه شتى ليكون داعيا له إلى عدم الأنفة من الرجوع عن الكفر إلى الإيمان، ومسقطا عنه خوف الشبه
[ ص: 221 ] بذلك والنسبة إلى الخفة وعدم الثبات، فقال معبرا بأداة التحقيق دلالة على
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29485غلبة نعمه تعالى في الدنيا لنقمه، ودلالة على حالة الإنسان عند مس النعمة من جهة يتوقعها بعد بيان حاله عند مسها بغتة من غير توقع تأكيدا لبيان جهله حيث جعل ظرف النعمة ظرفا للإعراض من غير خوف من نزعها على قرب عهده بالضر:
nindex.php?page=treesubj&link=24262_30549_32409_34336_29012nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وإذا أنعمنا مما لنا من العظمة والإحسان
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51على الإنسان أي الواقف مع نفسه نعمة تليق بعظمتنا فمسه الخير ولم يعبر في هذا الجانب بما عبر به في الذي بعده إيذانا بأن المعرض مسيء لمجرد الإعراض لا المبالغة فيه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51أعرض أي انحرف عن سواء القصد إلينا عنا في جميع مدة النعمة - بما أفهمه الظرف، فلم يقيد تلك النعمة بالشكر بعد ما رأى من حلالنا، قاطعا بأن تلك النعمة خير محض ظاهرا وباطنا فهو يستديمها، وربما كانت بلاء استدراجا وامتحانا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51ونأى أي أبعد إبعادا شديدا بحيث جعل بيننا وبينه حجابا عظيما حال كونه مال
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51بجانبه أي بشقه كناية عن تكبره وبأوه وإعجابه بنفسه وزهوة وتصويرا له بمن كلمته فازور عنك والتوى، وأبعد في ضلاله وغوى.
ولما تقدم حال الإنسان عند مس الشر بغتة، بين حاله عند مسه
[ ص: 222 ] وهو يتوقعه، فقال معبرا في جانب الشر بأداة التحقيق على غير عادة القرآن في الأغلب، ليدل على أنه لزيادة جهله على الحد يلزم الكبر وإن كان يتوقع الشر ولا يزال حاله حال الآمن إلى أن يخالطه وحينئذ تنحل عراه وتضمحل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وإذا مسه الشر أي هذا النوع قليله وكثيره لانتقامنا منه، فالآية من الاحتباك: ذكر الإنعام أولا دليل الانتقام ثانيا وذكر الشر ثانيا دليل الخير أولا، وسره تعليم الأدب بنسبة الإنعام دون الشر إليه وإن كان الكل منه.
ولما كان تعظيم العرض دالا على عظمة الطول، قال معبرا بما يدل على الملازمة والدوام:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51فذو دعاء أي في كشفه، وربما كان نعمة باطنة وهو لا يشعر ولا يدعو إلا عند المس، وقد كان
nindex.php?page=treesubj&link=19734ينبغي له أن يشرع في الدعاء عند التوقع بل قبله تعرفا إلى الله تعالى في الرخاء ليعرفه في الشدة وهو خلق شريف لا يعرفه إلا أفراد خصهم الله بلطفه، فدل تركه على عدم شره لما مضى وخفة عقله لما يأتي ومفاجأته للزوم الدعاء عند المس على عدم صبره وتلاشي جلده وقلة حيائه
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51عريض أي مديد العرض جدا، وأما طوله فلا تسأل عنه، وهذا كناية عن النهاية في الكثرة.
وَلَمَّا بَيَّنَ جَهْلَ الْإِنْسَانِ فِي حَالَاتٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْيَأْسِ عِنْدَ مَسِّ الشَّرِّ، وَالْأَمْنِ عِنْدَ ذَوْقِ النِّعْمَةِ بَعْدَ الضُّرِّ، بَيَّنَ حَالَهُ عِنْدَ النِّعْمَةِ مُطْلَقًا وَدُعَاءَهُ عِنْدَ الشَّرِّ وَإِنْ كَانَ قَانِطًا تَكْرِيرًا لِتَقَلُّبِ أَحْوَالِهِ وَتَنَاقُصِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ تَصْرِيفًا لِذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى لِيَكُونَ دَاعِيًا لَهُ إِلَى عَدَمِ الْأَنَفَةِ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمُسْقِطًا عَنْهُ خَوْفَ الشُّبَهِ
[ ص: 221 ] بِذَلِكَ وَالنِّسْبَةِ إِلَى الْخِفَّةِ وَعَدَمِ الثَّبَاتِ، فَقَالَ مُعَبِّرًا بِأَدَاةِ التَّحْقِيقِ دَلَالَةً عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32412_29485غَلَبَةِ نِعَمِهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا لِنِقَمِهِ، وَدَلَالَةً عَلَى حَالَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ مَسِّ النِّعْمَةِ مِنْ جِهَةٍ يَتَوَقَّعُهَا بَعْدَ بَيَانِ حَالِهِ عِنْدَ مَسِّهَا بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعٍ تَأْكِيدًا لِبَيَانِ جَهْلِهِ حَيْثُ جَعَلَ ظَرْفَ النِّعْمَةِ ظَرْفًا لِلْإِعْرَاضِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ مَنْ نَزَعَهَا عَلَى قُرْبِ عَهْدِهِ بِالضُّرِّ:
nindex.php?page=treesubj&link=24262_30549_32409_34336_29012nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وَإِذَا أَنْعَمْنَا مِمَّا لَنَا مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْإِحْسَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51عَلَى الإِنْسَانِ أَيِ الْوَاقِفِ مَعَ نَفْسِهِ نِعْمَةً تَلِيقُ بِعَظَمَتِنَا فَمَسَّهُ الْخَيْرُ وَلَمْ يُعَبِّرْ فِي هَذَا الْجَانِبِ بِمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الَّذِي بَعْدَهُ إِيذَانًا بِأَنَّ الْمُعْرِضَ مُسِيءٌ لِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ لَا الْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51أَعْرَضَ أَيِ انْحَرَفَ عَنْ سَوَاءِ الْقَصْدِ إِلَيْنَا عَنَّا فِي جَمِيعِ مُدَّةِ النِّعْمَةِ - بِمَا أَفْهَمَهُ الظَّرْفُ، فَلَمْ يُقَيِّدْ تِلْكَ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ بَعْدَ مَا رَأَى مِنْ حَلَالِنَا، قَاطِعًا بِأَنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ خَيْرٌ مَحْضٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَهُوَ يَسْتَدِيمُهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ بَلَاءً اسْتِدْرَاجًا وَامْتِحَانًا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وَنَأَى أَيْ أَبْعَدَ إِبْعَادًا شَدِيدًا بِحَيْثُ جَعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حِجَابًا عَظِيمًا حَالَ كَوْنِهِ مَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51بِجَانِبِهِ أَيْ بِشِقِّهِ كِنَايَةً عَنْ تَكَبُّرِهِ وَبَأْوِهِ وَإِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ وَزَهْوَةٍ وَتَصْوِيرًا لَهُ بِمَنْ كَلَّمَتْهُ فَازْوَرَّ عَنْكَ وَالْتَوَى، وَأَبْعَدَ فِي ضَلَالِهِ وَغَوَى.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ حَالُ الْإِنْسَانِ عِنْدَ مَسِّ الشَّرِّ بَغْتَةً، بَيْنَ حَالِهِ عِنْدَ مَسِّهِ
[ ص: 222 ] وَهُوَ يَتَوَقَّعُهُ، فَقَالَ مُعَبِّرًا فِي جَانِبِ الشَّرِّ بِأَدَاةِ التَّحْقِيقِ عَلَى غَيْرِ عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَغْلَبِ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ جَهْلِهِ عَلَى الْحَدِّ يَلْزَمُ الْكِبَرُ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ الشَّرَّ وَلَا يَزَالُ حَالُهُ حَالَ الْآمِنِ إِلَى أَنْ يُخَالِطَهُ وَحِينَئِذٍ تَنْحَلُّ عُرَاهُ وَتَضْمَحِلُّ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ أَيْ هَذَا النَّوْعُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لِانْتِقَامِنَا مِنْهُ، فَالْآيَةُ مِنَ الِاحْتِبَاكِ: ذَكَرَ الْإِنْعَامَ أَوَّلًا دَلِيلُ الِانْتِقَامِ ثَانِيًا وَذَكَرَ الشَّرَّ ثَانِيًا دَلِيلُ الْخَيْرِ أَوَّلًا، وَسَرَّهُ تَعْلِيمُ الْأَدَبِ بِنِسْبَةِ الْإِنْعَامِ دُونَ الشَّرِّ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْهُ.
وَلَمَّا كَانَ تَعْظِيمُ الْعَرَضِ دَالًّا عَلَى عَظَمَةِ الطُّولِ، قَالَ مُعَبِّرًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَالدَّوَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51فَذُو دُعَاءٍ أَيْ فِي كَشْفِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ نِعْمَةً بَاطِنَةً وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلَا يَدْعُو إِلَّا عِنْدَ الْمَسِّ، وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19734يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْرَعَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ التَّوَقُّعِ بَلْ قَبْلَهُ تَعَرُّفًا إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي الرَّخَاءِ لِيَعْرِفَهُ فِي الشِّدَّةِ وَهُوَ خُلُقٌ شَرِيفٌ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ، فَدَلَّ تَرْكُهُ عَلَى عَدَمِ شَرِّهِ لِمَا مَضَى وَخِفَّةِ عَقْلِهِ لِمَا يَأْتِي وَمُفَاجَأَتِهِ لِلُزُومِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْمَسِّ عَلَى عَدَمِ صَبْرِهِ وَتَلَاشِي جِلْدِهِ وَقِلَّةِ حَيَائِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51عَرِيضٍ أَيْ مَدِيدُ الْعَرْضِ جِدًّا، وَأَمَّا طُولُهُ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ النِّهَايَةِ فِي الْكَثْرَةِ.