[ ص: 76 ] ولما فرغ من بيان الزلل الذي وقع لهم به الخلل؛ والترهيب مما يوقع فيه؛ والترغيب فيما ينجي منه في تلك الأساليب التي هي أحلى من رائق الزلال؛ ولذيذ الوصال بعد طول المطال؛ أخذ يشجعهم على الجهاد لذوي الفساد؛ فبدأ بالسبب الأقوى؛ وهو الأمر بمشاهدة مصارع من مضى من المكذبين برؤية ديارهم؛ وتتبع آثارهم؛ مع أنهم كانوا أشد خلقا؛ وأقوى همما؛ وأكثر عددا؛ وأحكم عددا؛ فقال (تعالى) - معللا للأمر بالمسارعة إلى المغفرة -: قد خلت ؛ ولما كان العلم بالقريب في الزمان؛ والمكان؛ أتم؛ وكان الذين وقعت فيهم السنن جميع أهل الأرض؛ ولا في جميع الزمان؛ أثبت الجار؛ فقال: من قبلكم ؛ أي: فلا تظنوا بما أملى لهم بهذه الإدالة أن نعمته انقطعت عنهم؛ سنن ؛ أي: وقائع سنها الله في القرون الماضية؛ والأمم الخالية؛ في المؤمنين؛ والمكذبين؛ وأحوال وطرائق كانت للفريقين؛ فتأسوا بالمؤمنين؛ وتوقعوا لأعدائكم مثل ما للمكذبين؛ فانظروا وأنعموا التأمل في أحوال الفريقين؛ وإن لم يحصل ذلك إلا بالسير في الكد؛ والتعب الشديد؛ فسيروا في الأرض ؛ أي: للاتعاظ بأحوال تلك الأمم؛ برؤية آثارهم؛ لتضموا الخير إلى الخير؛ وتعتبروا من العين بالأثر؛ وتقرنوا بين النقل والنظر؛ ولما كان الرجوع عن الهفوة واجبا على الفور؛ عقب بالفاء قوله: فانظروا ؛ أي: نظر اعتبار؛ ونبه على [ ص: 77 ] عظمة المنظور فيه؛ بأنه أهل لأن يستفهم عنه؛ لأنه خرج عن العوائد؛ فتعاظم إشكاله؛ فقال: كيف كان عاقبة ؛ أي: آخر أمر المكذبين