ولما بان في هذا الكلام المقتصر على الصبر والجامع إليه الغفر والمقتضي بالنصر أدرجهم كلهم في دائرة الحق، أتبعه من خرج عن تلك الدائرة، فقال مخبرا أن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن عطفا على نحو: فمن يهدي الله للوقوف عند هذه الحدود فما له من مضل، مبينا بلفظ الضلال أن ما شرعه من الطريق في غاية الوضوح لا يزيغ عنه أحد إلا بطرد عظيم: ومن يضلل الله أي الذي له صفات الكمال إضلالا واضحا بما أفاده الفك بعدم البيان أو بعدم التوفيق لمطلق الصبر أعم من أن يكون الاقتصار على أخذ الحق وبتأخير الحق إلى وقت وبالعفو وبالغفر.
ولما كان الضال عن ذلك لا يكون إلا مجبولا على الشر، سبب عنه قوله: فما له أي في ذلك الوقت من ولي أي يتولى [ ص: 342 ] أمره في الهداية بالبيان لما أخفاه الله عنه أو التوفيق لما بينه له من بعده أي من بعد معاملة الله له معاملة البعيد من وكله إلى نفسه وغيره من الخلق في شيء من زمان البعد ولو قل.
ولما كان مبنى أمر الضال على الندم ولو بعد حين، قال عاطفا على نحو: فترى الظالمين قبل رؤية العذاب في غاية الجبروت والبطر والتكذيب بالقدرة عليهم، فهم لذلك لا يرجون حسابا ولا يخافون عقابا: وترى وقال: الظالمين موضع "وتراهم" لبيان أن الضال لا يضع شيئا في موضعه، ولما كان عذابهم حتما، عبر عنه بالماضي فقال: لما رأوا العذاب أي المعلوم مصير الظالم إليه رؤية محيطة بظاهره وباطنه يتمنون الرجعة إلى الدنيا لتدارك ما فات من الطاعات الموجبة للنجاة يقولون أي مكررين مما اعتراهم من الدهش وغلب على قلوبهم من الوجل: هل إلى مرد أي رد إلى دار العمل وزمانه مخلص من هذا العذاب من سبيل