ولما ذكر أنهم يسألون بطريق الأولى عن العبادة، نبه على أنهم عبدوهم مع ادعاء الأنوثة فيهم، فقال معجبا منهم في ذلك وفي جعل قولهم حجة دالة على صحة مذهبهم وهو من أوهى الشبه: وقالوا أي بعد عبادتهم لهم ونهيهم عن عبادة غير الله: لو شاء الرحمن أي الذي له عموم الرحمة ما عبدناهم لأن عموم الرحمة يمنع الإقرار على ما لا ينبغي ولكنه لم يشأ عدم عبادتنا لهم فعبدناهم طوع مشيئته، فعبادتنا لهم حق، ولولا أنها حق يرضاه لنا لعجل لنا العقوبة.
ولما كان كأنه قيل: بماذا يجابون عن هذا، قال منبها على جوابهم بقوله دالا على أن أصول الدين لا يتكلم فيها إلا بقاطع: ما لهم بذلك [ ص: 407 ] أي بهذا المعنى البعيد عن الصواب الذي قصدوا جعله دليلا على حقية عبادتهم لهم وهو أنه سبحانه لا يشاء إلا ما هو حق ويرضاه ويأمر به، ومن أن الملائكة إناث، وأكد الاستغراق بقوله: من علم أي لأنه لو لزم هذا لكان وضعه بعموم الرحمة حينئذ اضطراريا لا اختياريا فيؤدي إلى نقص لا إلى كمال، ولكان أيضا ذلك يؤدي إلى إيجاب أن يكون الناس كلهم مرضيا عنهم لكونهم على حق، وذلك مؤد بلا ريب إلى كون النقيضين معا حقا، وهو بديهي الاستحالة.
ولما كان العلم قد ينتفي والمعلوم ثابت في نفسه قال نافيا لذلك: إن هم أي ما هم إلا يخرصون أي يكذبون في هذه النتيجة التي زعموا أنها دلتهم على رضى الله سبحانه لكفرهم فإنها مبنية على أنه سبحانه لا يشاء إلا ما هو حق، والذي جرأهم على ذلك أنهم يجددون على الدوام القول بغير تثبت ولا تحر، فكان أكثر قولهم كذبا، فصاروا لذلك يجترئون على تعمد القول للظن الذي لا يأمن صاحبه من الوقوع في صريح، وسيأتي تمام إبطال هذه الشبهة بقوله تعالى قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وأن ذلك هو المراد لا ما طال الخبط فيه لإهمال في السوابق واللواحق الموجبة لسوق المقال، مطابقا لمقتضى الحال، [ ص: 408 ] وقد جهلوا في هذا الكلام عدة جهالات: ادعاء الولدية للغني المطلق، وكون الولد أدنى الصنفين، وعبادتهم لهم مع أنفسهم منهم بغير دليل، واحتياجهم على صحة فعلهم بتقدير علم على ذلك وهو قد نهاهم عنه بلسان كل رسول، وظنهم أنه لا يشاء إلا ما هو الحق المؤدي إلى الجميع بين النقيضين إذ لا ريب فيه ولا خفاء به.