ولما كان التقدير: ولكنا لم نجعل ذلك علما منا بأن الناس كادوا يكونون أمة واحدة وإن كنا نقيض من جبلناه على الخير على الإيمان لكن ينقصه ما أوتي في الدنيا من خطر في الآخرة لأن فساقه ذلك إلى كل سوء، ومن يتق الله فيديم ذكره يؤيده [ ص: 428 ] بملك فهو له معين، عطف عليه قوله معبرا عن غفلة البصيرة بالعشا الذي هو ضعف البصر تصورا لمن ينسى ذكر الله بأقبح صورة تنفيرا عن ذلك من وسع عليه في دنياه اشتغل في الأغلب عن ذكر الله فنفرت منه الملائكة ولزمته الشياطين، ومن يعش أي يفعل فعل المعاشي، وهو من شاء بصره بالليل والنهار أو عمي على قراءة شاذة وردت عن يعقوب بفتح الشين وركب الأمور متجاوزا عن ذكر الرحمن الذي عمت رحمته، فلا رحمة على أحد إلا وهي منه كما فعل هؤلاء حين متعناهم وآباءهم حيث أبطرهم ذلك، وهو شيء يسير جدا، فأعرضوا عن الآيات والدلائل فلم ينظروا فيها إلا نظرا ضعيفا كنظر من عشي بصره نقيض أي نقرر ونسلط ونقدر عقابا له على إعراضه عن ذكر الله شيطانا أي شخصا ناريا بعيدا من الرحمة يكون غالبا محيطا به مضيقا عليه مثل قيض البيضة وهو القشر الداخل فهو له قرين مشدود به كما يشد الأسير، ملازم فلا يمكنه التخلص منه ما دام متعاميا عن ذكر الله، فهو يزين له العمى ويخيل إليه أنه على عين الهدى، كما أن متى خرج العبد منه أسره العدو كما ورد في الحديث، قال في القاموس: [ ص: 429 ] العشى مقصور: سوء البصر بالليل والنهار أو العمى، عشى كرضى ودعا، والعشوة بالضم والكسر: ركوب الأمر على غير بيان، قال من يستبصر بذكر الرحمن يسخر له ملك فهو له ولي يبشره بكل خير، فذكر الله حصن حصين من الشيطان، : وأصل العشو النظر بغير ثبت لعلة في العين، وقال ابن جرير الرازي في اللوامع: وأصل اللغة أن العين والشين والحرف المعتل يدل على ظلام وقلة وضوح في الشيء.