ولما أثبت حسنه في نفسه المتقضي للزومه، عطف عليه نفعه [ ص: 436 ] لهم. وأكد لإنكارهم فقال: وإنه أي الذي أوحى إليك في الدنيا لذكر أي شرف عظيم جدا وموعظة وبيان، عبر عن الشرف بالذكر للتنبيه على أن سببه الإقبال على الذكر وعلى ما بينه وشرعه والاستمساك به والاعتناء بشأنه: لك ولقومك قريش خصوصا والعرب عموما وسائر من اتبعك ولو كان من غيرهم من جهة نزوله على واحد منهم وبلسانهم، فكان سائر الناس تبعا لهم ومن جهة إيراثه الطريقة الحسنى والعلوم الزاكية الواسعة وتأثيره الظهور على جميع الطوائف والإمامة لقريش بالخصوص كما قال صلى الله عليه وسلم: قريش ما بقي في الناس اثنان ما أقاموا الدين" فمن أقام هذا الدين كان شريفا مذكورا في ملكوت السماوات والأرض، قال "لا يزال هذا الأمر في ابن الجوزي : وقد روى عن الضحاك رضي الله عنهما ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل: لمن هذا الأمر، من بعدك، لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: لقريش - وهذا يدل على - انتهى. أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من هذا أنه يلي على المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن، وأن قومه يخلفونه من بعده في الولاية بشرف القرآن الذي أنزل على رجل [ ص: 437 ] منهم
ولما كان التقدير: فسوف تشرفون على سائر الملوك وتعلمون، عطف عليه قوله: وسوف تسألون أي تصيرون في سائر أنواع العلم محط رحال السائلين دينا ودنيا بحيث يسألكم جميع أهل الأرض من أهل الكتاب ومن غيرهم عما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم لما يعتقدون من أنه لا يوازيكم أحد في العلم بعد أن كنتم عندهم أحقر الأمم ضعفا وجهلا كما وقع لبني إسرائيل حيث رفعهم الله، وكان ذلك أبعد الأشياء عند فرعون وآله، ولذلك كانوا يتضاحكون استهزاء بتلك الآيات وينسبون الآتي بها إلى ما لا يليق بمنصبه العالي من المحالات، وتسألون عن حقه وأداء شكره وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له، وهذا بوعد صادق لا خلف فيه أصلا.