فلما تم الثناء على فعلهم؛ وقولهم؛ ذكر ما سببه لهم ذلك من الجزاء؛ فقال فآتاهم الله ؛ المحيط علما؛ وقدرة؛ ثواب الدنيا ؛ أي: بأن قبل دعاءهم بالنصر؛ والغنى بالغنائم؛ وغيرها؛ وحسن الذكر؛ وانشراح الصدر؛ وزوال شبهات الشر.
ولما كان ثواب الدنيا؛ كيفما كان؛ لا بد أن يكون بالكدر مشوبا؛ وبالبلاء مصحوبا؛ لأنها دار الأكدار; أعراه من وصف الحسن؛ وخص الآخرة به؛ فقال: وحسن ثواب الآخرة ؛ أي: مجازا؛ بتوفيقهم إلى الأسباب في الدنيا؛ وحقيقة في الآخرة؛ فإنهم أحسنوا في هذا الفعال؛ والمقال؛ لكونهم لم يطلبوا بعبادتهم غير وجه الله؛ فأحبهم [ ص: 89 ] لإحسانهم؛ والله ؛ المحيط بصفات الكمال؛ يحب المحسنين ؛ كلهم؛ فهو جدير بأن يفعل بهم كل جميل؛ ولذلك رفع منزلتهم؛ ولم يجعل ثوابهم بعضا؛ كما فعل بمن عبد لإرادة الثواب؛ فقال: نؤته منها ؛ فقد بان أن هذه الآية منعطفة على ما أمر به الصحابة - رضي الله عنهم - على طريقة اللف والنشر المشوش؛ فنفي الوهن تعريض بمن أشير إليه في آية: ولقد كنتم تمنون الموت ؛ ومحبة الصابرين تعريض بمن لم يصبر؛ وقوله: ويعلم الصابرين ؛ ونحو ذلك؛ والثناء على قولهم؛ حث على مثل ما ندبهم إليه في قوله: ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ؛ وثبات الأقدام إشارة إلى: وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ؛ وإلى أن ثبات القدم للنصر على أعداء الله؛ كان شاغلا لهم عن الالتفات إلى غيره؛ وتعريض بمن أقبل على الغنائم؛ وترك طلب العدو؛ لتمام النصر؛ المشار إليهم بآية ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ؛ وإيتاء الثواب ناظر إلى النهي عن الربا؛ وما انتظم في سلكه؛ وداناه؛ وإلى الأمر بالمسارعة إلى الجنة؛ وما والاه؛ وإيماء إلى أن من فعل فعلهم نال ما نالوا؛ ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه؛ لأن علمه محيط؛ وكرمه لا يحد؛ وخزائنه لا تنفد؛ بل [ ص: 90 ] لا تنقص؛ ثم ختمها بما ختم به؛ للحث على التخلق بأوصاف المتقين; فقد اتضح بغير لبس أن المراد بهذه الآية - وهي الإخبار عن إيتائهم الثواب - التنبيه على أن أهم الأمور؛ وأحقها بالبداءة؛ التخلق بما وعظوا به قبل قص القصة؛ ولا ريب أن في مدح من سواهم تهييجا زائدا لانبعاث نفوسهم؛ وتحرك هممهم؛ وتنبيه نشاطهم؛ وثوران عزائمهم؛ غيرة منهم أن يكون أحد - وهم خير أمة أخرجت للناس - أعلى همة؛ وأقوى عزيمة؛ وأشد شكيمة؛ وأصلب عودا؛ وأثبت عمودا؛ وأربط جأشا؛ وأذكر لله؛ وأرغب فيما عنده؛ وأزهد فيما أعرض عنه؛ منهم.