ولما كان من مفهوم الإبلاس السكوت، أعلم بأن سكوتهم ليس دائما لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم، فقال مبينا أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم: ونادوا ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكدا لبيان البعد بأداته: يا مالك وقراءة "يا مال" للإشارة إلى أن العذاب أوهنهم [ ص: 483 ] عن إتمام الكلام، ولذا قالوا: ليقض علينا أي سله سؤالا حتما أن القضاء إلى لا قضاء مثله، وهو الموت على كل وحد منا، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا: ربك أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحسانا وهم في تلك الحالة، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلا، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحدا منهم فوق استحقاقه، ولذلك ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظا له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس، فسكوتهم المقيد باليأس دائم، فلذلك سألوا الموت، والحاصل أنهم لا يتكلمون ما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبدا عن ذلك. جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات،
. . اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين.
ولما ذكر نداءهم، استأنف ذكر جوابهم بقوله: قال أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكدا قطعا لأطماعهم لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة [ ص: 484 ] بغيرهم إنكم ماكثون