ولما بطلت الشبهة على تقدير ببرهان، وعلى آخر بشبهة أقوى منها، وظهر الأمر واتضح الحق في أنه سبحانه يشاء لشخص فعل شيء ولآخر عدم فعل ذلك الشيء وفعل ضده أو نقيضه، ومن المعلوم قطعا أنه لا يكون فعل النقيضين ولا الضدين في آن واحد حقا من وجه واحد، فعرف بذلك أن وأنه لولا ذلك لما علم أنه فاعل بالاختيار يخص من يشاء من عباده بما يشاء بعد أن عمهم بما شاء، كان موضع التنزيه عما نسبوه [ ص: 490 ] إليه من الباطل، فقال منزها على وجه مظهر أنه لا يصح أن ينسب إليه ولد أصلا: العبرة في الحلال والحرام بأمره ونهيه لا بإرادته، سبحان رب أي مبدع ومالك السماوات ولما كان المقام للتنزيه وجهة العلوية أجدر، لأنه أبعد عن النقص والنقيض، ولم يقتض الحال إعادة لفظ الرب بخلاف ما يأتي آخر الجاثية، فإنه لإثبات الكمال ونظره إلى جميع الأشياء على حد سواء فقال: والأرض أي اللتين كل ما فيهما ومن فيهما مقهور مربوب محتاج لا يصح أن يكون له منه سبحانه نسبة بغير العبودية بالإيجاد والتربية.
ولما كانت خاصة الملك أن يكون له ما لا يصل إليه غيره بوجه أصلا، قال محققا لملكه لجميع ما سواه ومن سواه وملكه له، ولم يعد العاطف لأن العرش من السماوات: رب العرش أي المختص به لكونه خاصة الملك الذي وسع كرسيه السماوات والأرض عما يصفون من أنه له ولد أو شريك.