ولما كان تعليق العلم بالشيء على حدته أتم وآكد من تعليقه به مع غيره؛ أعاد العامل لذلك؛ وإشعارا بأن أهل النفاق أسفل رتبة من أن يجتمعوا مع المؤمنين في شيء؛ فقال: وليعلم الذين نافقوا ؛ أي: علما تقوم به الحجة في مجاري عاداتكم؛ وهذا مثل قوله هناك: وليبتلي الله ما في صدوركم ؛ وعطف [ ص: 119 ] على قوله: نافقوا ؛ ما أظهر نفاقهم؛ أو يكون حالا من فاعل "نافقوا"؛ فقال: وقيل لهم تعالوا قاتلوا ؛ أي: أوجدوا القتال؛ في سبيل الله ؛ أي: الذي له الكمال كله؛ بسبب تسهيل طريق الرب الذي شرعه؛ أو ادفعوا ؛ أي: عن أنفسكم؛ وأحبائكم؛ على عادة الناس؛ لا سيما العرب؛ قالوا لو نعلم ؛ أي: نتيقن؛ قتالا ؛ أي: أنه يقع قتال؛ لاتبعناكم ؛ أي: لكنه لا يقع فيما نظن قتال؛ ورجعوا.
ولما كان هذا الفعل المسند إلى هذا القول ظاهرا في نفاقهم؛ ترجمه بقوله: هم للكفر يومئذ ؛ أي: يوم إذ كان هذا حالهم؛ أقرب منهم للإيمان ؛ عند كل من سمع قولهم؛ أو رأى فعلهم؛ ثم علل ذلك؛ أو استأنف بقوله - معبرا بالأفواه التي منها ما هو أبعد من اللسان؛ لكونهم منافقين؛ فقولهم إلى أصوات الحيوان أقرب منه إلى كلام الإنسان؛ ذي العقل واللسان؛ لأنهم -: يقولون بأفواههم ؛ ولما أفهم هذا أنه لا يجاوز ألسنتهم فلا حقيقة له؛ ولا ثبات عندهم; صرح به في قوله: ما ليس في قلوبهم ؛ بل لا شك عندهم في وقوع القتال؛ علم الله هذا منهم؛ كما علموه من أنفسهم؛ والله ؛ أي: الذي له الإحاطة الكاملة؛ أعلم ؛ أي: منهم؛ بما يكتمون ؛ أي: كله؛ لأنه يعلمه قبل كونه؛ وهم لا يعلمونه إلا بعد كونه؛ وإذا كان نسوه بتطاول الزمان؛ [ ص: 120 ] والله - سبحانه وتعالى - لا ينساه.