ولما كان مطلق المسارعة أعم مما بالعوض؛ وهو أعم مما بالرجوع؛ جاء نظم الآيات على ذاك; ولما كشفت هذه الوقعة جملة من المغيبات؛ من أعظمها تمييز المخلص فعلا؛ أو قولا؛ من غيره؛ أخبر (تعالى) أن ذلك من أسرارها؛ على وجه يشير إلى النعي على المنافقين بتأخيرهم أنفسهم بالرجوع؛ وغيره؛ فقال - مشيرا بخطاب الأتباع إلى مزيد علمه - صلى الله عليه وسلم - وعلو درجته لديه؛ وعظيم قربه منه - سبحانه وتعالى -:
nindex.php?page=treesubj&link=19860_19863_29680_29692_30172_30175_34092_34141_34163_34308_34328_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ما كان الله ؛ أي: مع ما له من صفات الكمال؛ ولما كان ترك التمييز غير محمود؛ عبر بفعل الوذر؛ وأظهر موضع الإضمار؛ لإظهار شرف الوصف؛ تعظيما لأهله؛ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ليذر المؤمنين ؛ أي: الثابتين في وصف الإيمان؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين؛ ومن قاربهم من الذين آمنوا على حال الإشكال؛
[ ص: 136 ] للاقتناع بدعوى اللسان؛ دليلا على الإيمان؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حتى يميز الخبيث من الطيب ؛ بأن يفضح المبطل؛ وإن طال ستره؛ بتكاليف شاقة؛ وأحوال شديدة؛ لا يصبر عليها إلا المخلص من العباد؛ المخلصون في الاعتقاد؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وما كان الله ؛ لاختصاصه بعلم الغيب؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ليطلعكم على الغيب ؛ أي: وهو الذي لم يبرز إلى عالم الشهادة بوجه؛ لتعلموا به الذي في قلوبهم؛ مع احتمال أن يكون الرجوع للعلة التي ذكروها في الظاهر؛ والقول لشدة الأسف على إخوانهم؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ولكن الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179يجتبي ؛ أي: يختار اختيارا بليغا؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179من رسله من يشاء ؛ أي: فيخبر على ألسنتهم بما يريد من المغيبات؛ كما أخبر أنهم برجوعهم للكفر أقرب منهم للإيمان؛ وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ ولما تسبب عن هذا وجوب الإيمان به؛ قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فآمنوا بالله ؛ أي: في عالم الغيب؛ والشهادة؛ له الأسماء الحسنى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ورسله ؛ في أنه أرسلهم؛ وفي أنهم صادقون في كل ما يخبرون به عنه.
ولما كان التقدير: "فإنكم إن لم تؤمنوا كان لكم ما تقدم؛ من العذاب العظيم؛ الأليم؛ المهين"؛ عطف عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وإن تؤمنوا ؛ أي: بالله؛
[ ص: 137 ] ورسله؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وتتقوا ؛ أي: بالمداومة على الإيمان؛ وما يقتضيه من العمل الصالح؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فلكم أجر عظيم ؛ أي: منه أنه لا يضركم كيد أعدائكم شيئا؛ كما تقدم وعدكم به.
وَلَمَّا كَانَ مُطْلَقَ الْمُسَارَعَةِ أَعَمَّ مِمَّا بِالْعِوَضِ؛ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا بِالرُّجُوعِ؛ جَاءَ نَظْمُ الْآيَاتِ عَلَى ذَاكَ; وَلَمَّا كَشَفَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ جُمْلَةً مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ؛ مِنْ أَعْظَمِهَا تَمْيِيزُ الْمُخْلِصِ فِعْلًا؛ أَوْ قَوْلًا؛ مِنْ غَيْرِهِ؛ أَخْبَرَ (تَعَالَى) أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْرَارِهَا؛ عَلَى وَجْهٍ يُشِيرُ إِلَى النَّعْيِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِتَأْخِيرِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالرُّجُوعِ؛ وَغَيْرِهِ؛ فَقَالَ - مُشِيرًا بِخِطَابِ الْأَتْبَاعِ إِلَى مَزِيدِ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ لَدَيْهِ؛ وَعَظِيمِ قُرْبِهِ مِنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:
nindex.php?page=treesubj&link=19860_19863_29680_29692_30172_30175_34092_34141_34163_34308_34328_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179مَا كَانَ اللَّهُ ؛ أَيْ: مَعَ مَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ وَلَمَّا كَانَ تَرْكُ التَّمْيِيزِ غَيْرَ مَحْمُودٍ؛ عَبَّرَ بِفِعْلِ الْوَذَرِ؛ وَأَظْهَرَ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ؛ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْوَصْفِ؛ تَعْظِيمًا لِأَهْلِهِ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ أَيْ: الثَّابِتِينَ فِي وَصْفِ الْإِيمَانِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الِاخْتِلَاطِ بِالْمُنَافِقِينَ؛ وَمَنْ قَارَبَهُمْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى حَالِ الْإِشْكَالِ؛
[ ص: 136 ] لِلِاقْتِنَاعِ بِدَعْوَى اللِّسَانِ؛ دَلِيلًا عَلَى الْإِيمَانِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ؛ بِأَنْ يَفْضَحَ الْمُبْطِلَ؛ وَإِنْ طَالَ سَتْرُهُ؛ بِتَكَالِيفَ شَاقَّةٍ؛ وَأَحْوَالٍ شَدِيدَةٍ؛ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا الْمُخْلَصُ مِنَ الْعِبَادِ؛ الْمُخْلِصُونَ فِي الِاعْتِقَادِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَمَا كَانَ اللَّهُ ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِعِلْمِ الْغَيْبِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ؛ أَيْ: وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُبْرَزْ إِلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ بِوَجْهٍ؛ لِتَعْلَمُوا بِهِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ؛ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الظَّاهِرِ؛ وَالْقَوْلُ لِشِدَّةِ الْأَسَفِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَلَكِنَّ اللَّهَ ؛ أَيْ: الَّذِي لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179يَجْتَبِي ؛ أَيْ: يَخْتَارُ اخْتِيَارًا بَلِيغًا؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ؛ أَيْ: فَيُخْبِرُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِمَا يُرِيدُ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ؛ كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ بِرُجُوعِهِمْ لِلْكُفْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ؛ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ وَلَمَّا تَسَبَّبَ عَنْ هَذَا وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِهِ؛ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فَآمِنُوا بِاللَّهِ ؛ أَيْ: فِي عَالَمِ الْغَيْبِ؛ وَالشَّهَادَةِ؛ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَرُسُلِهِ ؛ فِي أَنَّهُ أَرْسَلَهُمْ؛ وَفِي أَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْهُ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: "فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا كَانَ لَكُمْ مَا تَقَدَّمَ؛ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ؛ الْأَلِيمِ؛ الْمُهِينِ"؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَإِنْ تُؤْمِنُوا ؛ أَيْ: بِاللَّهِ؛
[ ص: 137 ] وَرُسُلِهِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179وَتَتَّقُوا ؛ أَيْ: بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْإِيمَانِ؛ وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ؛ أَيْ: مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُ أَعْدَائِكُمْ شَيْئًا؛ كَمَا تَقَدَّمَ وَعْدُكُمْ بِهِ.