ولما دل إقسامه بالسماء وما قبلها من الذاريات على ما له في العلويات من الآيات إلى أن ختم بالأموال التي تنبتها الأرض، فكان
[ ص: 457 ] التقدير: ففي السماوات آيات للمؤمنين دالات على عظمته واستحقاقه للعبادة بغاية الخضوع رغبا ورهبا، عطف عليه قوله:
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32438_29022nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20وفي الأرض مما فيه أيضا من الاختلاف بالمعادن الكثيرة المتباينة مع اتحاد أصلها والنبات والحيوان والجماد والبر والبحر وغير ذلك من الأسرار الدالة على الفاعل المختار
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20آيات أي: دلالات عظيمات هي مع وضوحها بعد التأمل خفيات
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20للموقنين الذين صار الإيقان لهم غريزة ثابتة، فهم لذلك يتفطنون لرؤية ما فيها مع ما يلابسهم منها من الأسباب فيشغلهم ولا يرون أكثر أسباب ما فيها من الآيات فأداهم ذلك إلى الإيقان بما نبهت عليه الرسل مما تستقل به العقول من البعث وغيره، قال
القشيري: من الآيات فيها أنها تحمل كل شيء، فكذلك العارف يحمل كل أحد ومن استثقل أحدا أو تبرم برؤيته أحدا فلغيبته عن الحقيقة ومطالعة الخلق بعين التفرقة. وأهل الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة، ومن الآيات فيها أنه يلقى عليها كل قذارة وقمامة فتنبت كل زهر ونور وكذلك العارف يتشرب ما يلقى من الجفاء ولا يترشح إلا بكل خلق علي وشيمة زكية.
وَلَمَّا دَلَّ إِقْسَامُهُ بِالسَّمَاءِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الذَّارِيَاتِ عَلَى مَا لَهُ فِي الْعُلْوِيَّاتِ مِنَ الْآيَاتِ إِلَى أَنْ خَتَمَ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي تُنْبِتُهَا الْأَرْضُ، فَكَانَ
[ ص: 457 ] التَّقْدِيرُ: فَفِي السَّمَاوَاتِ آيَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ دَالَّاتٌ عَلَى عَظَمَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ رَغَبًا وَرَهَبًا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32438_29022nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20وَفِي الأَرْضِ مِمَّا فِيهِ أَيْضًا مِنَ الِاخْتِلَافِ بِالْمَعَادِنِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَبَايِنَةِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهَا وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْرَارِ الدَّالَّةِ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20آيَاتٌ أَيْ: دَلَالَاتٌ عَظِيمَاتٌ هِيَ مَعَ وُضُوحِهَا بَعْدَ التَّأَمُّلِ خَفِيَّاتٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=20لِلْمُوقِنِينَ الَّذِينَ صَارَ الْإِيقَانُ لَهُمْ غَرِيزَةً ثَابِتَةً، فَهُمْ لِذَلِكَ يَتَفَطَّنُونَ لِرُؤْيَةِ مَا فِيهَا مَعَ مَا يُلَابِسُهُمْ مِنْهَا مِنَ الْأَسْبَابِ فَيَشْغَلُهُمْ وَلَا يَرَوْنَ أَكْثَرَ أَسْبَابِ مَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ فَأَدَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْإِيقَانِ بِمَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ مِمَّا تَسْتَقِلُّ بِهِ الْعُقُولُ مِنَ الْبَعْثِ وَغَيْرِهِ، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ: مِنَ الْآيَاتِ فِيهَا أَنَّهَا تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، فَكَذَلِكَ الْعَارِفُ يَحْمِلُ كُلَّ أَحَدٍ وَمَنِ اسْتَثْقَلَ أَحَدًا أَوْ تَبَرَّمَ بِرُؤْيَتِهِ أَحَدًا فَلِغَيْبَتِهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ وَمُطَالَعَةِ الْخَلْقِ بِعَيْنِ التَّفْرِقَةِ. وَأَهْلُ الْحَقَائِقِ لَا يَتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَمِنَ الْآيَاتِ فِيهَا أَنَّهُ يُلْقَى عَلَيْهَا كُلُّ قَذَارَةٍ وَقُمَامَةٍ فَتُنْبِتُ كُلَّ زَهْرٍ وَنَوْرٍ وَكَذَلِكَ الْعَارِفُ يَتَشَرَّبُ مَا يَلْقَى مِنَ الْجَفَاءِ وَلَا يَتَرَشَّحُ إِلَّا بِكُلِّ خُلُقٍ عَلِيٍّ وَشِيمَةٍ زَكِيَّةٍ.