ولما ابتهلوا بهاتين الآيتين في الإنجاء من النار؛ توسلوا بذكر مسارعتهم إلى إجابة الداعي؛ بقولهم: ربنا ؛ ولما كانت حالهم - لمعرفتهم بأنهم لا ينفكون عن تقصير؛ وإن بالغوا في الاجتهاد؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يقدر الله حق قدره - شبيهة بحال من لم يؤمن; اقتضى [ ص: 159 ] المقام التأكيد إشارة إلى هضم أنفسهم؛ بالاعتراف بذنوبهم؛ فقالوا - مع علمهم بأن المخاطب عالم بكل شيء -: إننا ؛ فأظهروا النون؛ إبلاغا في التأكيد؛ سمعنا مناديا ؛ أي: من قبلك؛ وزاد في تفخيمه بذكر ما منه النداء؛ مقيدا بعد الإطلاق؛ بقوله: ينادي ؛ قال "هو القرآن؛ ليس كلهم رأى النبي - صلى الله عليه وسلم". محمد بن كعب القرظي:
ولما كانت اللام تصلح للتعليل؛ ومعنى "إلى"؛ عبر بها؛ فقيل: للإيمان ؛ ثم فسروه؛ تفخيما له؛ بقولهم: أن آمنوا بربكم ؛ ثم أخبر بمسارعتهم إلى الإجابة بقولهم: فآمنا ؛ أي: عقب السماع؛ ثم أزالوا ما ربما يظن من ميلهم إلى ربوة الإعجاب بقولهم؛ تصريحا بما أفهمه التأكيد لمن علمه محيط: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ؛ أي: التي أسلفناها قبل الإيمان؛ بأن تقبل منا الإيمان؛ فلا تزيغ قلوبنا؛ فيكون جابا لما قبله عندك؛ كما كان جابا له في ظاهر الشرع؛ وكذا ما فرط منا بعد الإيمان؛ ولو كان بغير توبة؛ وإليه الإشارة بقولهم: وكفر عنا سيئاتنا ؛ أي: بأن توفقنا؛ بعد تشريفك لنا بالإيمان؛ لاجتناب الكبائر؛ بفعل الطاعات المكفرة للصغائر؛ وتوفنا مع الأبرار ؛ أي: ليس لنا سيئات.