ولما كانت هذه المواعدة آجلة؛ وكان نظرهم إلى ما فيه الكفار من عاجل السعة؛ ربما أثر في بعض النفوس أثرا يقدح في الإيمان بالغيب؛ الذي هو شرط قبول الإيمان; داواه - سبحانه - بأن تلا تبشير المجاهدين بإنذار الكفار المنافقين؛ والمصارحين؛ الذين أملى لهم بخذلانهم المؤمنين؛ بالرجوع عن قتال "أحد"؛ وغيره من أسباب الإملاء؛ على وجه يصدق ما تقدم أول السورة؛ من الوعد بأنهم سيغلبون؛ وأن أموالهم إنما هي صورة؛ لا حقائق لها؛ عطفا لآخرها على أولها؛ وتأكيدا لاستجابة دعاء أوليائه آخر التي قبلها؛ بقوله - مخاطبا لأشرف عباده؛ والمراد من [ ص: 164 ] يمكن ذلك عادة فيه؛ لأن خطاب الرئيس أمكن في خطاب الأتباع - لا يغرنك تقلب ؛ أي: لا تغتر بتصرف الذين كفروا ؛ تصرف من يقلب الأمور؛ بالنظر في عواقبها؛ لسلامتهم في تصرفهم؛ وفوائدهم؛ وجودة ما يقصدونه في الظاهر؛ كجودة القلب في البدن؛ في البلاد ؛ فإن تقلبهم؛ متاع قليل ؛ أي: لا يعبأ به ذو همة علية؛ وعبر بأداة التراخي؛ إشارة إلى أن تمتيعهم - وإن فرض أنه طال زمانه؛ وعلا شأنه - تافه لزواله؛ ثم عاقبته؛ وإلى هول تلك العاقبة؛ وتناهي عظمتها؛ فقال: ثم مأواهم ؛ أي: بعد التراخي؛ إن قدر؛ جهنم ؛ أي: الكريهة المنظر الشديدة الأهوال؛ العظيمة الأوجال؛ لا مهاد لهم غيرها؛ وبئس المهاد ؛ أي: الفراش الذي يوطأ؛ ويسهل للراحة؛ والهدوء.