لما ختمت المجادلة بأنه معز أهل طاعته، ومذل أهل معصيته ومحادته، علله بتنزهه عن النقائص تأييدا للوعد بنصرهم فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_33133_29030nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سبح أي أوقع التنزيه الأعظم عن كل شائبة نقص
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1لله الذي أحاط بجميع [صفات] الكمال.
ولما كان الكفار من جميع بني آدم قد عبد بعضهم الشمس
[ ص: 404 ] وبعضهم القمر وبعضهم [غيرهما من] الكواكب، وكانت الكواكب مبثوثة في السماوات كلها لا تخص سماء بعينها وكذا الملائكة، جمع دلالة على أن الكل عبيد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1ما في السماوات أي كلها. ولما كان الكلام في النهي عن موادة الذين يحادون الله، وكان ذلك لمن دون الخلص، أكد بإعادة النافي لاحتياجهم للتأكيد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1وما ولما كان جميع ما عبدوه مما أشركوا به من الأرضيات من شجر وصنم وبقر وغيرها لا يعدو الأرض التي هم عليها، أفرد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1في الأرض
ولما شمل هذا جميع العالم، أشار إلى أن عظمته لا تنتهي فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1وهو أي والحال أنه وحده
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1العزيز الذي يغلب كل شيء ولا يمتنع عليه شيء
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1الحكيم الذي نفذ علمه في الظواهر والبواطن وأحاط بكل شيء فأتقن ما أراد، فكل ما خلقه جعله على وحدانيته دليلا، وإلى بيان ما له من العزة والحكمة سبيلا.
وقال الإمام
أبو جعفر بن الزبير : لا خفاء باتصال أيها بما تأخر من آي سورة المجادلة، ألا ترى أن قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم إنما يراد به يهود فذكر سبحانه سوء سريرتهم وعظيم جرأتهم ثم قال في آخر السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله فحصل من هذا كله
[ ص: 405 ] تنفير المؤمنين عنهم وإعلامهم بأن بغضهم من الإيمان وودهم من النفاق لقبيح ما انطووا عليه وشنيع ما ارتكبوه، فلما أشارت هذه الآي إلى ما ذكر أتبعت بالإعلام في أول سورة الحشر بما عجل لهم من هوانهم وإخراجهم من ديارهم وأموالهم وتمكين المسلمين منهم، جريا على ما تقدم الإيماء إليه من سوء مرتكبهم، والتحمت الآي باتحاد المعنى وتناسبه، وتناسج الكلام، وافتتحت السورة بالتنزيه لبنائها على ما أشار إليه غضبه تعالى عليهم إذ لا يكون إلا على أعظم جريمة وأسوأ مرتكب وهو اعتداؤهم وعصيانهم المفصل في مواضع من الكتاب وقد قال تعالى فيهم بعد ذكر غضبه عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فبين تعالى أن لعنته إياهم إنما ترتبت على عصيانهم واعتدائهم، وقد فصل اعتداءهم أيضا في مواضع، فلما كان الغضب مشيرا إلى ما ذكر من عظيم الشرك، أتبعه سبحانه وتعالى تنزيه نفسه جل وتعالى فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وإنما يرد مثله من التنزيه إثر جريمة تقع من العباد وعظيمة يرتكبونها وتأمل ذلك حيث وقع، ثم عاد الكلام إلى الإخبار بما فعل تعالى بأهل الكتاب مما يتصل بما تقدم، ثم تناسجت الآي - انتهى.
لَمَّا خُتِمَتِ الْمُجَادِلَةُ بِأَنَّهُ مُعِزُّ أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَمُذِلُّ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ وَمُحَادَّتِهِ، عَلَّلَهُ بِتَنَزُّهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ تَأْيِيدًا لِلْوَعْدِ بِنَصْرِهِمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_33133_29030nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سَبَّحَ أَيْ أَوْقَعَ التَّنْزِيهَ الْأَعْظَمَ عَنْ كُلِّ شَائِبَةِ نَقْصٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1لِلَّهِ الَّذِي أَحَاطَ بِجَمِيعِ [صِفَاتِ] الْكَمَالِ.
وَلَمَّا كَانَ الْكُفَّارُ مِنْ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ قَدْ عَبَدَ بَعْضُهُمُ الشَّمْسَ
[ ص: 404 ] وَبَعْضُهُمُ الْقَمَرَ وَبَعْضُهُمْ [غَيْرَهُمَا مِنَ] الْكَوَاكِبِ، وَكَانَتِ الْكَوَاكِبُ مَبْثُوثَةً فِي السَّمَاوَاتِ كُلِّهَا لَا تَخُصُّ سَمَاءً بِعَيْنِهَا وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، جَمَعَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْكُلَّ عَبِيدٌ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1مَا فِي السَّمَاوَاتِ أَيْ كُلِّهَا. وَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَادَّةِ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ، وَكَانَ ذَلِكَ لِمَنْ دُونَ الْخُلَّصِ، أَكَّدَ بِإِعَادَةِ النَّافِي لِاحْتِيَاجِهِمْ لِلتَّأْكِيدِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1وَمَا وَلَمَّا كَانَ جَمِيعُ مَا عَبَدُوهُ مِمَّا أَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الْأَرْضِيَّاتِ مِنْ شَجَرٍ وَصَنَمٍ وَبَقَرٍ وَغَيْرِهَا لَا يَعْدُو الْأَرْضَ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا، أَفْرَدَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1فِي الأَرْضِ
وَلَمَّا شَمِلَ هَذَا جَمِيعَ الْعَالَمِ، أَشَارَ إِلَى أَنَّ عَظَمَتَهُ لَا تَنْتَهِي فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1وَهُوَ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ وَحْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1الْعَزِيزُ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1الْحَكِيمُ الَّذِي نَفَذَ عِلْمُهُ فِي الظَّوَاهِرِ وَالْبَوَاطِنِ وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ فَأَتْقَنَ مَا أَرَادَ، فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ جَعَلَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ دَلِيلًا، وَإِلَى بَيَانِ مَا لَهُ مِنَ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ سَبِيلًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ : لَا خَفَاءَ بِاتِّصَالِ أَيُّهَا بِمَا تَأَخَّرَ مِنْ آيِ سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ يَهُودُ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ سُوءَ سَرِيرَتِهِمْ وَعَظِيمَ جُرْأَتِهِمْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ
[ ص: 405 ] تَنْفِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُمْ وَإِعْلَامُهُمْ بِأَنَّ بُغْضَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَوُدَّهُمْ مِنَ النِّفَاقِ لِقَبِيحِ مَا انْطَوَوْا عَلَيْهِ وَشَنِيعِ مَا ارْتَكَبُوهُ، فَلَمَّا أَشَارَتْ هَذِهِ الْآيُ إِلَى مَا ذَكَرَ أُتْبِعَتْ بِالْإِعْلَامِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَشْرِ بِمَا عَجَّلَ لَهُمْ مِنْ هَوَانِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَمْكِينِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، جَرْيًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ سُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ، وَالْتَحَمَتِ الْآيُ بِاتِّحَادِ الْمَعْنَى وَتَنَاسُبِهِ، وَتَنَاسُجِ الْكَلَامِ، وَافْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِالتَّنْزِيهِ لِبِنَائِهَا عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ غَضَبُهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِذْ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى أَعْظَمِ جَرِيمَةٍ وَأَسْوَأِ مُرْتَكَبٍ وَهُوَ اعْتِدَاؤُهُمْ وَعِصْيَانُهُمُ الْمُفَصَّلُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ بَعْدَ ذِكْرِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=78لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ لَعْنَتَهُ إِيَّاهُمْ إِنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَى عِصْيَانِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ، وَقَدْ فَصَّلَ اعْتِدَاءَهُمْ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ مُشِيرًا إِلَى مَا ذَكَرَ مِنْ عَظِيمِ الشِّرْكِ، أَتْبَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَنْزِيهَ نَفْسِهِ جَلَّ وَتَعَالَى فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّمَا يَرِدُ مَثَلُهُ مِنَ التَّنْزِيهِ إِثْرَ جَرِيمَةٍ تَقَعُ مِنَ الْعِبَادِ وَعَظِيمَةٍ يَرْتَكِبُونَهَا وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ، ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِمَا فَعَلَ تَعَالَى بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ تَنَاسَجَتِ الْآيُ - انْتَهَى.