ولما ذكر ما أنعم عليه به في الأخرى لأنه أهم لدوامها، كان التقدير بما دل عليه العطف: هذا لكم، عطف عليه ما جعل لهم في الدنيا فقال: وأخرى أي ولكم نعمة، أو يعطيكم، أو يزيدكم نعمة أخرى. ولما كان الإنسان أحب في العاجل وأفرح بالناجز قال: تحبونها أي محبة كثيرة متجددة [ ص: 39 ] متزايدة، ففي ظاهر هذه البشرى تشويق إلى الجهاد وتحبيب، وفي باطنها حث على [حب] الشهادة بما يشير إليه من التوبيخ أيضا على حل العاجل والتقريع: نصر من الله أي الذي أحاطت عظمته بكل شيء لكم وعلى قدر إحاطته تكون نصرته وفتح قريب أي تدخلون منه إلى [كل] ما كان متعسرا عليكم من حصون أعدائكم وغيرها من أمورهم في حياة نبيكم صلى الله عليه وسلم أعظمه فتح مكة الذي كتب رضي الله عنه بسببه، وبعد مماته، وفيه شهادة حاطب رضي الله عنه بأنه يحب نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والفتح عليه لحاطب مكة وغيرها لصحة إيمانه كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
ولما كان ما تقدم من المعاتبة إنذارا لمن خالف فعله قوله من الذين آمنوا، وكان المقام قد أخذ حظه من الإنذار والتوبيخ، طوى ما تقديره: فأنذر من لم يكن راسخا في الدين من المنافقين، ومن خالف فعله قوله من المؤمنين: عطف عليه دلالة عليه ليكون [أوقع] في النفس لمن يشير إليه طيه من الاستعطاف قوله: وبشر المؤمنين أي الذين صار الإيمان لهم وصفا راسخا كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بأن الله يفتح لك البلاد شرقا وغربا، وأول ذلك مكة المشرفة ولا يحوجهم [ ص: 40 ] إلى أن يدرؤوا عن عشائرهم وأموالهم ولا أن يكون شيء من أفعالهم يخالف شيئا من أقوالهم.