الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين (تعالى) ما لفاعل ذلك؛ تحذيرا؛ وكان قد تقدم جملة من الكبائر؛ أتبعه ما للمنتهي؛ تبشيرا؛ جوابا لمن كأنه قال: هذا للفاعل فما للمجتنب؟ فقال - على وجه عام -: إن تجتنبوا ؛ أي: تجهدوا أنفسكم بالقصد الصالح؛ في أن تتركوا تركا عظيما؛ وتباعدوا؛ كبائر ما تنهون عنه ؛ أي: من أكل المال؛ والقتل بالباطل؛ والزنا؛ وغير ذلك مما تقدم؛ روى البزار: قال الهيثمي - ورجاله رجال الصحيح -: عن عبد الله - يعني ابن مسعود - أنه سئل عن الكبائر؛ فقال: "ما بين أول سورة "النساء"؛ إلى رأس ثلاثين"؛ قال الأصبهاني: وكل ذنب عظم الشرع الوعيد عليه بالعذاب؛ وشدده؛ أو عظم ضرره في الخمس الضرورية - حفظ الدين؛ والنفس والنسب؛ والعقل؛ والمال - فهو كبيرة؛ وما عداه صغيرة؛ نكفر عنكم سيئاتكم ؛ أي: التي هي دون الكبائر؛ كلها؛ فإن ارتكبتم [ ص: 262 ] شيئا من الكبائر؛ وأتيتم بالمكفرات من الصلوات الخمس؛ والجمعة؛ وصوم رمضان؛ والحج؛ أو فرطتم في شيء منها؛ فمن الله عليكم بأن أتاكم بالمرض; كفر ذلك المأتي به الصغائر؛ ولم يقاوم تلك الكبيرة؛ فلم يكفر جميع السيئات؛ لعدم إتيانه على تلك الكبيرة؛ وندخلكم مدخلا كريما ؛ أي: يجمع الشرف؛ والعمل؛ والجود؛ وكل معنى حسن؛ ومن فاته جميع ذلك لم يكفر عنه سيئاته؛ ولم يدخله هذا المدخل؛ ويكفي في انتفائه حصول القصاص في وقت ما; وقال الإمام أحمد: المسلمون كلهم في الجنة - لهذه الآية؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"؛ فالله (تعالى) يغفر ما دون الكبائر؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع في الكبائر؛ فأي ذنب على المسلمين؟! ذكره عنه الأصبهاني؛ وهذا الحديث أخرجه أبو داود؛ والترمذي؛ وغيرهما؛ عن أنس - رضي الله عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية