ولما كان التقدير تسببا عن هذا: لئلا يقولوا: سلمنا جميع ما قيل في الظالمين لكنا لسنا منهم فالله عليم بهم في أفعالهم ونياتهم، عطف عليه قوله معلقا بالوصف تعميما وإعلاما بأن وصف ما قدموا من الظلم والله أي الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلما عليم أي بالغ العلم محيط بهم - هكذا كان الأصل، ولكنه قال: بالظالمين [ ص: 60 ] تعميما وتعليقا بالوصف لا بالذات، فالمعنى أنه عالم بأصحاب هذا الوصف الراسخين فيه منهم ومن غيرهم فهو يجازيهم على ظلمهم وهم يعلمون ذلك، وأعظم مصدق الله - ومن أصدق من الله [قيلا] - في هذا أنهم ما قوتلوا قط إلا أرزوا إلى حصونهم وقراهم كما مر في سورة الحشر، فدل ذلك على أنهم أحرص على الحياة الدنيا من الذين أشركوا كما مر في سورة البقرة فإنهم عالمون بأنهم يصيرون إلى النار، والعرب يظنون أنهم لا يبعثون فهم لا يخافون [ما] بعد الموت وهم شجعان يقدمون على الموت كما قال عنترة بن شداد العبسي:
بكرت تخوفني المنون كأنني ... أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتها أن المنية منهل
... لا بد أن أسقى بذاك المنهل
فافني حياك لا أبا لك واعلمي
... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل