ولما كان المعنى أنهم لم يعتقدوا ما شهدوا به، وكان كأنه قيل: فما الحامل لهم على هذا الكلام المؤكد والكذب في غاية القباحة لا سيما عند العرب، علله بقوله مسميا شهادتهم إيمانا لأن الشهادة تجري مجرى القسم في إرادة التوكيد، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم: اتخذوا أي أخذوا بجهدهم أيمانهم أي كلها من شهادتهم هذه المجتهد في توكيدها وكل يمين سواها جنة أي وقاية تقيهم المكاره الدنيوية [و]يستترون بها منها فيصونون بها دماءهم وأموالهم، فاستضاءوا بنور الإجابة فلم ينبسط عليهم شعاع نور السعادة فانطفأ نورهم بقهر الحرمان، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحكم الخذلان فصدوا أي فسبب لهم اتخاذهم هذا أن أعرضوا بأنفسهم مع سوء البواطن [ ص: 78 ] وحرارة الصدور، وحملوا غيرهم على الإعراض لما يرى من سيئ أحوالهم بتلك الظواهر مع بقائهم على ما كانوا ألفوه من الكفر الذي يزينه الشيطان عن سبيل الله أي عن طريق الملك الأعظم الذي شرعه لعباده ليصلوا به إلى محل رضوانه، ووصلوا إلى ذلك بخداعهم ومكرهم بجرأتهم على الأيمان الحانثة التي يمشون حالهم بها لما شرعه الله في هذه الحنيفية السمحة من القناعة من الحالف بيمينه فيما لا يعلم إلا من قبله.
ولما كان ما أخبر به من حالهم في غاية القباحة، أنتج قوله: إنهم وأكده لأن حالهم بعجبهم وعجب كثيرا ممن قاربهم ساء ما كانوا أي جبلة وطبعا يعملون أي يجددون عمله مستمرين عليه بما هو كالجبلة من جرأتهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وخلص عباده بالأيمان الحانثة.