ولما ذكر المظروف ذكر ظرفه دالا على تمام إحاطته بالبواطن، والظواهر بأنه يخلق الشيء العظيم جدا فيأتي على وفق الإرادة ثم لا يحتاج إلى أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه فقال: خلق السماوات التي هي السقف لبيت عبيد الملك على كبرها وعلوها كما ترون والأرض التي هي قرار بيتهم ومهاده على سعتها وما فيها من المرافق والمعاون بالحق أي بالأمر الذي يطابقه الواقع فلا زائدا عنه ولا ناقصا بل جاء الواقع منها مطابقا لما أراد سواء لا كما يريد أحدنا الشيء فإذا [ ص: 107 ] أوجده لم يكن على وفق مراده سواء، وبسبب إظهار الأمر الثابت وإبطال الباطل فهو خالق المسكنين: الدنيوي والأخروي، خلافا لمن لا يقول بذلك من صابئ وفلسفي وغيرهم.
ولما كان أهل الطبائع يقولون: إن الأفلاك لها تأثير بحسب الذات والطبع، قال نافيا لذلك مذكرا بنعمته لتشكر: وصوركم أي أيها المخاطبون على صور لا توافق شيئا من صور العلويات ولا السفليات ولا فيها صورة توافق الأخرى من كل وجه فأحسن صوركم فجعلها أحسن صور الحيوانات كلها كما هو مشاهد في الدنيا وكذا في الآخرة خلافا لأهل التناسخ مع أن وضعها في نفسها أحسن الأوضاع، لو غير شيء منها عن مكانه إلى شيء مما نعلمه فحصلت البشاعة به مع تفضيل الآدمي بتزيينه بصفوة أوصاف الكائنات وجعل سبحانه أعضاء متصرفة بكل ما يتصرف به أعضاء سائر الحيوان مع زيادات اختص بها الآدمي إلى حسن الوجه وجمال الجوارح، فهو أحسن بالنسبة إلى النوع من حيث هو هو، وبالنسبة إلى الأفراد في نفس الأمر وإن كان بعضها أحسن من بعض، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه، ولذا قال الحكماء، شيئان لا غاية لهما: الجمال والبيان، فخلق الإنسان في أحسن تقويم لا ينفي أن يكون [ ص: 108 ] للنوع الذي جعل أحسن أفراد أنواع لما فوقه من الجنس، لا نهاية لأحسنية بعضها بالنسبة [إلى بعض] يشاهد ما وجد من أفراد نوعه من الذوات فقدرة الله لا تتناهى، فإياك أن تصغي لما وقع في كتب أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإن كان قد علم أنه اعترض عليه في ذلك وأجاب عنه في الكتاب الذي أجاب فيه عن أشياء اعترض عليه فيها فإنه لا عبرة بذلك الجواب أيضا، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه وتعالى لا يقدر على أن يخلق أحسن من هذا العالم، وهذا لا يقوله أحد، وهو لا ينقص مقدار الإمام الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد كما قال الإمام الغزالي رضي الله عنه، وعزاه مالك بنفسه إلى الغزالي رضي الله عنهما، وقال الإمام ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهدا وإني لأعلم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول: الشافعي
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
ولما كان التقدير: فكان منه سبحانه المبدأ، عطف عليه قوله: وإليه أي وحده المصير أي بعد البعث بعين القدرة التي قدر بها على البدأة فمن كان على الفطرة الأولى لم يغيرها أدخله الجنة، ومن كان قد أفسدها فجعل روحه نفسا بما طبعها به من حيث جسده أدخله [ ص: 109 ] النار، وفي الدنيا أيضا بانفراده بالتدبير، فلا يكون من الملك والسوقة إلا ما يريد، [لا ما يريد] ذلك المريد الفاعل.