[ ص: 185 ] ولما كانت العدة فيمن رأى حبيبه قد ضاق صدره أن يسعى أولا في شرح صدره وطيب نفسه ثم يزيده بسطا بأن يقول للحاضرين: إن حبيبنا هذا الكريم علينا اتفق له كذا، وقد كرهت [ هذا -] وضمنت زواله، وكان تعالى قد طيب نفسه صلى الله عليه وسلم بأول السورة، ثم أتبعه الأمر الآخر، فكان التقدير: اذكروا هذا الذي ذكرته من حسن عشرة نبيكم صلى الله عليه وسلم لنسائه رضي الله تعالى عنهن وكريم صحبته وشريف أخلاقه و[ جميل -] أفضاله وجليل حلمه واذكروا ما خفف الله به عنكم في الأيمان التي لا مثنوية فيها [ واذكروا فيها -] اسمه المقدس، عطف عليه قوله تعالى تشريفا لنبيه صلى الله عليه وسلم بالمعاتبة [ عليه -] وبإظهار ما هو حامل له من ثقل هذا السر على أجمل وجه تخفيفا عنه وترويحا له: وإذ أي [و-] اذكروا كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وطاهر شمائله في عشرتهن حين أسر النبي أي الذي شأنه أن يرفعه الله دائما بأن يتلقى من فياض علمه ما يخبر به الناس فإنه ما ينطق عن الهوى وأبهم الزوجة ولم يعينها سبحانه تشريفا له صلى الله عليه وسلم ولها رضي الله عنهن فقال تعالى: إلى بعض أزواجه وهي رضي الله [ عنها، كنى -] عنها صيانة لهن لأن حرمتهن رضي الله عنهن من حرمته صلى الله عليه وسلم [ ص: 186 ] حفصة حديثا ليس هو من شأن الرسالة ولو كان من شأنها لهم به وأعلنه ولم يخص به ولا أسره وذلك هو تحريم مارية رضي الله عنها ووعده بأن يترك العسل وبشارته بولاية أبي بكر رضي الله عنهما ولم يبين الحديث ويفصله إكراما له صلى الله عليه وسلم وحفظا لسره لأن العادة جارية بأن الإنسان لا يحب تفصيل سره وإن كنا اطلعنا عليه بعد ذلك لنتأسى به فيما فيه من الأحكام، فإن أحواله صلى الله عليه وسلم كلها أحكام لنا إلا ما اختص به وأشار إلى قرب زمن إفشائه من زمن التحديث بالفاء في قوله تعالى: وعمر فلما نبأت أي أخبرت إخبارا عظيما جليلا لشرفه في نفسه ولأنه من عند الله وبالغت في ذلك وأخبرت به كله من جميع وجوهه، وجعل ذلك في سياق حكاية لأنه أستر لحرمه صلى الله عليه وسلم حيث لم يقل: فنبأت [ به -] ولا قال: أساءت بالإنباء به، ونحو ذلك مما يفهم أنه مقصود بالذات وأظهره الله أي أطلعه الملك الذي له الإحاطة بكل شيء عليه أي الحديث بأنه قد أفشى مناصحة له في إعلامه بما يقع في غيبته ليحذره إن كان شرا ويثيب عليه إن كان خيرا عرف أي النبي صلى الله عليه وسلم التي أسر إليها بعضه وهو أمر الخلافة عتابا لها عليه لأنه كان أوصاها أن لا تظهره، والكف عن بعض العتب أبعث على حياء [ ص: 187 ] المعتوب وأعون على توبته وعدم عدده إلى فعل مثله وأعرض عن بعض وهو أمر السرية والعسل تكرما منه أن يستقصي في العتاب وحياء وحسن عشرة، قال ما استقصى كريم قط، وقال الحسن: : ما زال التغافل من فعل الكبراء وإنما عاتب على أمر الخلافة خوفا [ من -] أن ينتشر في الناس ويذيع، فربما أثار حسدا من بعض المنافقين وأورث الحسود سفيان الثوري للصديق كيدا أو جرا إلى مفسدة لا نعلمها، وخفف والفاروق : عرف أي أقر به والمعرفة سبب التعريف والتعريف عن المعرفة فإطلاق أحدهما على الآخر شائع وعلاقته ذلك وأشار إلى مبادرته بتعريفها ذلك لئلا ينتشر ما يكرهه منه بقوله: الكسائي فلما نبأها بما فعلت من إفشاء ما عرفها منه على وجه لم يغادر من ذلك الذي عرفها به شيئا منه ولا من عوارضه ليزداد بصيرة، روي أنها قالت: قلت رضي الله عنها سرا وأنا أعلم أنها لا تظهره، قاله لعائشة الملوي وهو معنى قوله: قالت أي ظنا منها أن رضي الله عنها أفشت عليها عائشة من أنبأك هذا أي مطلق إخبار، واستأنف قوله: قال نبأني وحذف المتعلق اختصارا للفظ وتكثيرا للمعنى بالتعميم إشارة إلى أنه أخبره بجميع ما دار بينها وبين رضي الله عنهما مما عرفها به ومن غيره على أتم ما كان عائشة العليم أي المحيط بالعلم الخبير أي المطلع [ ص: 188 ] على الضمائر والظواهر فهو أهل لأن يحذر فلا يتكلم سرا ولا جهرا إلا بما يرضيه.