ولما ثبت بهذا العقل مع ما أفاده من الفضل، وكان الذي يؤجر قد يكون في أدنى رتب العقل، بين أنه صلى الله عليه وسلم في أعلاها بقوله مؤكدا لما مضى: وإنك وزاد في التأكيد لزيادتهم في المكابرة فقال: لعلى خلق ولما أفهم السياق التعظيم، صرح به فقال: عظيم وهو الإسلام الذي دعا إليه القرآن لا بالبلاء ينحرف، ولا بالعطاء ينصرف، لأن خلقه - بشهادة أعرف الناس به زوجه أم المؤمنين الصديقة رضي الله عنهما - القرآن، فلا يتحرك ولا يسكن إلا بأمره ونهيه، فهذا الخلق نتيجة الهدى والهدى نتيجة العقل، وهو سبب السعادة، فأفهم ذلك عدم سعادتهم لعدم عقولهم، [ و -] قال عائشة بنت الصديق أبي بكر الواسطي: أظهر الله قدرته في عيسى عليه السلام ونفاذه في آصف، وسخطه وقهره في [ ص: 293 ] عصى موسى عليه الصلاة والسلام وأظهر أخلاقه ونعوته في محمد صلى الله عليه وسلم فكان متخلقا بأخلاق الله تعالى والتخلق بأخلاقه أن ينزه علمه عن الجهل وجوده عن البخل وعدله عن الظلم وحلمه عن السفه، واعلم أن الخلق والخلق صورتان: الخلق صورة الظاهر، والخلق صورة الباطن; فتناسب الأعضاء الظاهرة يعبر به عن الخلق الحسن، وتناسب المعاني الباطنة يعبر به عن ثم الخلق الحسن تارة مع الله، وتارة مع حكم الله، وتارة مع الخلق، فمع الله بالتعظيم والإجلال ومع حكمه بالصبر في الضراء والبأساء والشكر في الرخاء والامتثال للأوامر والانزجار عن النواهي عن طيب قلب مسارعة وسماحة، وحسن الخلق مع الخلق بث النصفة في المعاملة وحسن المجاملة في العشرة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه - ] قال: الخلق الحسن،
"الخلق وعاء الدين، لأن من الخلق يخرج الدين، وهو الخضوع والخشوع وبذل النفس لله واحتمال المكروه" .