ولما ذكر حال من هلك من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم، أتبع ذلك بذكر الوعيد الأخراوي يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ثم عاد الكلام إلى ما بنيت عليه سورة ن والقلم [ ص: 341 ] من تنزيهه صلى الله عليه وسلم وتكريمه مقسما على ذلك " إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر - ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون " وانتهى نفي ما تقوله منصوصا على نزاهته عن كل خلة منها في السورتين ما أنت بنعمة ربك بمجنون وما الذي جئت به بقول شاعر ولا بقول كاهن بل هو تنزيل من رب العالمين، وإنه لتذكرة للمتقين وإنه لحق اليقين، فنزه ربك وقدسه من عظيم ما ارتكبوه - [ انتهى-]
فلما بلغ التهويل حده، وكان سبب الإنكار للساعة ظن عدم القدرة عليها مطلقا أو لعدم العلم بالجزئيات، [ قال دالا على تمام القدرة والعلم -] بالكليات والجزئيات، محذرا من أنكرها بأنه قادر على تعجيل الانتقام ولكنه لإكرامه لهذه الأمة أخر عذابها إلى الآخرة إلى لمن كان منهم من الخواص فإنه يظهرهم في الدنيا ليتم نعيمهم بعد الموت بادئا بأشد القبائل تكذيبا بالبعث لكون ناقتهم أول دليل على القدرة عليه، وقالوا مع ذلك أبشرا منا واحدا نتبعه إلى أن قالوا: بل هو كذاب أشر وقالوا في التكذيب [ بها -] أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن [ ص: 342 ] هي إلا حياتنا [ الدنيا -] نموت - الآية، فإن الأمر فيهم دائر بين عاد وثمود: كذبت ثمود وتقديمهم أيضا من حيث أن بلادهم أقرب إلى قريش، وواعظ القرب أكبر وإهلاكهم بالصيحة وهي أشبه بصيحة النفخ في الصور المبعثر لما في القبور وعاد وكان الأصل أن يقال: بها، ولكنه أظهرها بوصف زادها عظما وهولا فقال: بالقارعة أي [ التي -] تقرع، أي تضرب ضربا قويا وتدق دقا عنيفا شديدا للأسماع وجميع العالم بانفطار السماوات وتناثر النيرات ونسف الجبال الراسيات، فلا يثبت لذلك الهول شيء.