ولما ذكر حلاهم أتبعه ما أعطاهم فقال مستأنفا ومستنتجا من غير فاء إشارة إلى [ أن -] رحمته هي التي أوصلتهم إلى ذلك من غير سبب منهم في الحقيقة: أولئك أي الذين هم في غاية العلو لما لهم من هذه الأوصاف العالية، وعبر بما يدل على أنه عجل جزاءهم سبحانه فقال: في جنات أي في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنهم [ لما -] جاهدوا فيه بإتعاب أنفسهم في هذه الأوصاف حتى تخلقوا بها أعطاهم بمباشرتها لذاذات من أنس القرب وحلاوة المناجاة لا يساويها شيء أصلا، والجنة محل اجتمع فيه جميع الراحات والمستلذات [ والسرور-] ، وانتفى عنه [ جميع -] المكروهات والشرور، وضدها النار، وزادهم على ذلك بقوله: مكرمون معبرا باسم المفعول إشارة إلى عموم الإكرام من الخالق والخلق الناطق وغيره لأنه سبحانه قضى بأن يعلو مقدارهم حتى يكونوا أعظم مشخص لهم في الغيب مبالغا في إكرامهم عند المواجهة ليكون لهم نصيب من خلق نبيهم صلى الله [ ص: 411 ] عليه وسلم، لقيه يوم بني قريظة رضي الله عنه وكان قد سبقه إليهم فقال: يا رسول الله، ما عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث؟ فقال: ولم، لعلك سمعت بي منهم أذى، لو قد دنوت منهم لم يقولوا من ذلك شيئا، ثم دنا منهم فقال: هل أخزاكم الله يا إخوان القردة والخنازير، فقالوا: مه يا علي أبا القاسم ما كنت جهولا" وكلموه بأحسن ما يمكنهم، وكذا كانت معه قريش قبل الهجرة في أكثر أحوالهم، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فيتلقاهم الملائكة بالبشرى حين الموت وفي قبورهم ومن حين قيامهم من قبورهم إلى حين دخولهم إلى قصورهم.