ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على حال السرور، أخبر أن هذا على خلاف ذلك، وأن ذكر النصب وتصوير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكما بهم فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=30351_33678_29041nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44خاشعة أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل والصغار، وألحقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44أبصارهم
ولما كان خشوعها دائما فعبر بالاسم، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة، عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44ترهقهم أي تغشاهم فتعمهم، وتحمل عليهم فتكلفهم كل عسر وضيق على وجه الإسراع إليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44ذلة ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل في الآخرة، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة.
[ ص: 422 ] ولما صوره بهذه الصورة أشار إلى أن هذا ما تدركه العقول من وصفه وأنه أعظم من ذلك فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44ذلك أي الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علو الرتبة في العظمة
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44اليوم الذي كانوا أي في حال الدنيا على غاية ما يكون من المكنة في الوعيد.
ولما كان الوعيد لا يتحقق إلا إذا كان من القادر، وإذا كان كذلك كان مخيفا موجعا من غير ذكر من صدر عنه، بني للمفعول قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44يوعدون أي يجدد لهم الإيعاد به في الدنيا في كل وقت لعلهم يتعظون فترق قلوبهم فيرجعون عماهم فيه من الجبروت، وهذا هو زمان العذاب الذي سألوا عنه أول السورة، فقد رجع كما ترى آخرها على أولها أي رجوع، وانضم مفصلها إلى موصلها انضمام المفرد إلى المجموع - والله الهادي إلى الصواب.
وَلَمَّا كَانَ إِيفَاضُهُمْ إِلَى الْأَنْصَابِ عَلَى حَالِ السُّرُورِ، أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذِكْرَ النَّصْبِ وَتَصْوِيرَ حَالَةِ الْإِتْيَانُ إِلَيْهِ مَا كَانَ إِلَّا تَهَكُّمًا بِهِمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=30351_33678_29041nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44خَاشِعَةً أَيْ مُنْكَسِرَةً مُتَوَاضِعَةً لِمَا حَلَّ بِهَا مِنَ الذُّلِّ وَالصِّغَارِ، وَأَلْحَقَهَا عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ زِيَادَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى وَمُبَالَغَةً فِيهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44أَبْصَارُهُمْ
وَلَمَّا كَانَ خُشُوعُهَا دَائِمًا فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ، وَكَانَ ذُلُّهُمْ يَتَزَايَدُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، عَبَّرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّجَدُّدِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44تَرْهَقُهُمْ أَيْ تَغْشَاهُمْ فَتَعُمُّهُمْ، وَتَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَتُكَلِّفُهُمْ كُلَّ عُسْرٍ وَضِيقٍ عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَاعِ إِلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44ذِلَّةٌ ضِدَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ مَنْ تَعَزَّزَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْحَقِّ ذُلٌّ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ ذَلَّ لِلْحَقِّ فِي الدُّنْيَا عَزَّ فِي الْآخِرَةِ.
[ ص: 422 ] وَلَمَّا صَوَّرَهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ هَذَا مَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ مِنْ وَصْفِهِ وَأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44ذَلِكَ أَيِ الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ عُلُوِّ الرُّتْبَةِ فِي الْعَظَمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا أَيْ فِي حَالِ الدُّنْيَا عَلَى غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَعِيدِ.
وَلَمَّا كَانَ الْوَعِيدُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْقَادِرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُخِيفًا مُوجِعًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44يُوعَدُونَ أَيْ يُجَدِّدُ لَهُمُ الْإِيعَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ فَتَرِقُّ قُلُوبُهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَمَاهُمْ فِيهِ مِنَ الْجَبَرُوتِ، وَهَذَا هُوَ زَمَانُ الْعَذَابِ الَّذِي سَأَلُوا عَنْهُ أَوَّلَ السُّورَةِ، فَقَدْ رَجَعَ كَمَا تَرَى آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا أَيَّ رُجُوعٍ، وَانْضَمَّ مَفْصِلُهَا إِلَى مُوصِلِهَا انْضِمَامَ الْمُفْرَدِ إِلَى الْمَجْمُوعِ - وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ.