ولما قدم في هذه السورة من شرح هذا النبأ العظيم ما قدم من الحكم والمواعظ واللطائف والوعد والوعيد، لخصه في قوله مؤكدا لما لهم من التكذيب: إنا على ما لنا من العظمة أنذرناكم أي أيها الأمة وخصوصا العرب بما مضى من هذه السورة وغيرها عذابا ولما كان لا بد من إتيانه وكونه سواء كان بالموت أو بالبعث، وكان كل ما تحقق إتيانه أقرب شيء قال: قريبا
ولما حذر منه، عين وقته مشددا لتهويله [ فقال- ] : يوم ينظر المرء أي جنسه الصالح منه والطالح نظرا مرية فيه ما أي الذي قدمت يداه أي كسبه في الدنيا من خير وشر، وعبر بهما لأنهما محل القدرة فكنى بهما عنها مع أن أكثر ما يعمل كائن بهما مستقلتين به أو مشاركتين فيه خيرا كان أو شرا. ولما كان التقدير: فيقول المؤمن: يا ليتني قمت قبل هذا، عطف عليه قوله: ويقول الكافر أي العريق في الكفر عندما يرى من [ تلك - ] الأهوال متمنيا محالا: يا ليتني كنت أي كونا لا بد منه ولا يزول ترابا أي في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا اليوم فلم أعذب، والمراد به الجنس أو إبليس الذي تكبر [ ص: 216 ] عن السجود لآدم عليه السلام المخلوق من التراب، وعظم نفسه بالحمد والافتخار بكونه مخلوقا من نار، يقول ذلك عندما يرى ما أعد الله لآدم عليه السلام ولخواص بنيه من الكرامة من النعيم المقيم، ولهذا المتكبر على خالقه من العذاب الدائم الذي لا يزول، وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص يوم البعث للبهائم بعضها من بعض ثم يقول لها: كوني ترابا، فتكون فيتمنى الكافر مثل ذلك. فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد من كونه، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من كونه من أعظم الجهل، فرجع آخرها على أولها، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال، فإن المشرف بالنزع على الموت يرى كثيرا من الأهوال والزلازل والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعا عن الدنيا ليس له بها وصال يوما من الأيام ولا ليلة من الليال - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. وابن عمر