ولما كان كأنه قيل: هل بقي من أقسام المنافقين شيء؟ قيل: نعم؛ ستجدون ؛ أي: عن قرب؛ بوعد لا شك فيه؛ آخرين ؛ أي: من المنافقين؛ يريدون أن يأمنوكم ؛ أي: فلا يحصل لكم منهم ضرر؛ ويأمنوا قومهم ؛ كذلك؛ لضعفهم عن كل منكم؛ فهم يظهرون لكم الإيمان إذا لقوكم؛ ولهم الكفر إذا لقوهم؛ وهو معنى كل ما ردوا إلى الفتنة ؛ أي: الابتلاء بالخوف عند المخالطة؛ أركسوا ؛ أي: قلبوا منكوسين؛ فيها
ولما كان هؤلاء أعرق في النفاق؛ وأردى؛ وأدنى من الذين قبلهم؛ وأعدى؛ صرح بمفهوم ما صرح به في أولئك؛ لأنه أغلظ؛ وهم أجدر من الأولين بالإغلاظ؛ وطوى ما صرح به؛ ثم قال: فإن لم يعتزلوكم ؛ ولما كان الاعتزال خضوعا؛ لا كبرا؛ صرح به في قوله: ويلقوا إليكم السلم ؛ أي: الانقياد؛ ولما كان الإلقاء لا بد له من قرائن يعرف بها؛ قال: ويكفوا أيديهم ؛ أي: عن قتالكم؛ وأذاكم؛ فخذوهم ؛ أي: اقهروهم بكل نوع من أنواع القهر تقدرون عليه؛ واقتلوهم [ ص: 360 ] ولما كان نفاقهم - كما تقدم - في غاية الرداءة؛ وأخلاقهم في نهاية الدناءة؛ أشار إلى الوعد بتيسير التمكين منهم؛ فقال: حيث ثقفتموهم ؛ فإن معناه: صادفتموهم؛ وأدركتموهم؛ وأنتم ظافرون بهم؛ حاذقون في قتالهم؛ فطنون به؛ خفيفون فيه؛ فإن الثقف: الحاذق؛ الخفيف؛ الفطن؛ ولذلك أشار إليهم بأداة البعد؛ فقال: وأولئكم ؛ أي: البعداء عن منال الرحمة؛ من النصر؛ والنجاة؛ وكل خير؛ جعلنا ؛ أي: بعظمتنا؛ لكم عليهم سلطانا ؛ أي: تسلطا؛ مبينا ؛ أي: ظاهرا قوته وتسلطه؛ وهذه الآيات منسوخة بآية "براءة"؛ فإنها متأخرة النزول؛ فإنها بعد "تبوك".