ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر؛ خوف الضرر؛ مرشدة إلى إتقان المكائد؛ للتخلص من الخطر؛ [ ص: 386 ] وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس؛ والمبالغة فيه؛ وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد; أتبع ذلك قوله (تعالى) - منبها على الجد في أمره؛ وأنه لم يدع في الصلاة؛ ولا غيرها؛ ما يشغل عنه؛ عاطفا على نحو: "فافعلوا ما أمرتكم به"؛ أو على: فأقيموا الصلاة -: ولا تهنوا ؛ أي: تضعفوا؛ وتتوانوا بالاشتغال بذكر؛ ولا صلاة؛ فقد يسرت ذلك لكم تيسيرا لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد؛ في ابتغاء القوم ؛ أي: طلبهم بالاجتهاد؛ وإن كانوا في غاية القوة والقيام بالأمور; ثم علل ذلك بقوله: إن تكونوا تألمون ؛ أي: يحصل لكم ألم؛ ومشقة بالجهاد؛ من القتل وما دونه؛ فإنهم يألمون كما تألمون ؛ أي: لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم؛ فلا يكونن على باطلهم أصبر منكم على حقكم.
ولما بين ما يكون مانعا لهم من الوهن دونهم؛ لأنه مشترك بينهم; بين ما يحملهم على الإقدام؛ لاختصاصه به؛ فقال: وترجون ؛ أي: أنتم؛ من الله ؛ أي: الذي له جميع الأسماء الحسنى؛ والصفات العلا؛ ما لا يرجون ؛ أي: من النصر؛ والعزم؛ والكرم؛ واللطف؛ لأنكم تقاتلون فيه؛ وهم يقاتلون في الشيطان؛ وهذا لكل من يأمر بالمعروف؛ وينهى عن المنكر؛ سواء كان ذلك في جهاد الكفار؛ أو لا. [ ص: 387 ] ولما كان العلم مبنى كل خير؛ وكانت الحكمة التي هي نهاية العلم؛ وغاية القدرة؛ مجمع الصفات العلا؛ قال (تعالى): وكان الله ؛ أي: الآمر لكم بهذه الأوامر؛ وهو المحيط بكل شيء؛ عليما ؛ أي: بالغ العلم؛ فهو لا يأمر إلا بما يكون بالغ الحسن؛ مصلحا للدين؛ والدنيا؛ حكيما ؛ فهو يتقن لمن يأمره الأحوال؛ ويسدده في المقال؛ والفعال؛ فمن علم منه خيرا أراده ورقاه في درج السعادة؛ ومن علم منه شرا كاده؛ فنكس مبدأه ومعاده.