ولما وبخهم - سبحانه وتعالى - على جهلهم؛ حذر من مناصرتهم؛ فقال - مبينا أنها لا تجديهم شيئا؛ مخوفا لهم جدا بالمواجهة بمثل هذا التنبيه؛ والخطاب؛ ثم الإشارة بعد -: ها أنتم هؤلاء ؛ وزاد في الترهيب؛ للتعيين بما هو من الجدل؛ الذي هو أشد الخصومة - من "جدل الحبل"؛ الذي هو شدة فتله - وإظهاره في صيغة المفاعلة؛ فقال - مبينا لأن المراد من الجملة السابقة التهديد -: جادلتم عنهم ؛ في هذه الواقعة؛ أو غيرها؛ في الحياة الدنيا ؛ أي: بما جعل لكم من الأسباب.
ولما حذرهم؛ وبخهم على قلة فطنتهم؛ وزيادة في التحذير بأن مجادلتهم هذه سبب لوقوع الحكومة بين يديه - سبحانه وتعالى - فقال: فمن يجادل الله ؛ أي: الذي له الجلال كله؛ عنهم ؛ أي: حين تنقطع الأسباب؛ يوم القيامة ؛ ولا يفترق الحال في هذا بين أن تكون "ها"؛ من "ها أنتم"؛ للتنبيه؛ أو بدلا عن همزة استفهام - على ما تقدم -؛ فإن معنى الإنكار هنا واضح على كلا الأمرين. [ ص: 396 ] ولما كان من أعظم المحاسن كف الإنسان عما لا علم له به؛ عطف على الجملة من أولها - من غير تقييد بيوم القيامة؛ منبها على قبح المجادلة عنهم؛ بقصور علم الخلائق - قوله: أم من يكون ؛ أي: فيما يأتي من الزمان؛ عليهم وكيلا ؛ أي: يعلم منهم ما يعلم الله - سبحانه وتعالى - بأن يحصي أعمالهم؛ فلا يغيب عنه منها شيء؛ ليجادل الله عنهم؛ فيثبت لهم ما فارقوه؛ وينفي عنهم ما لم يلابسوه؛ ويرعاهم ويحفظهم مما يأتيهم به القدر من الضرر والكدر.