ولما أنهى سبحانه ما أراد من تصوير تلك الدار على ما يليق بهذه السور القصار، وكانوا ينكرون غاية الإنكار فوبخهم بما يعصمهم [ ص: 13 ] من الزيغ عن العقائد الحقة في استفهام إنكاري مذكرا لهم بأمورهم في غاية الوضوح في نفسها، لأن نزول هذه السور كان في [أول الأمر قبل أن يتمرنوا على المعارف تدل على قدرته على البعث وعلى قدرته على ما ذكر ما هذه الأمور التي أودعها الجنان للذة الإنسان، وذلك لما في] هذه الأمور التي ذكر بها سبحانه من عجائب الصنع مع تفاوته في جعل بعضها ذا اختيار في الخفض والرفع، وبعضها على كيفية واحدة لا قدرة له على الانفكاك عنها من علو أو سفول مع التمهد أو التوعر، فقال مسببا عما مضى من الإخبار عن أحوال الفريقين في الآخرة وعن قدرته على ما ذكر: أفلا ينظرون أي المنكرون من هذه الأمة لقدرته سبحانه وتعالى على الجنة وما ذكر فيها [والنار وما ذكر فيها -] نظر اعتبار.
ولما كان [لهم] من ملابسة الإبل ما ليس لهم من ملابسة غيرها، وكانت فردة في المخلوقات لا شبيه لها مع ما لها من كثرة المنافع - كما قال رحمه الله تعالى - مع أكلها لكل مرعى واجتزائها بأيسر [ ص: 14 ] شيء لا سيما في الماء وطول صبرها عنه مع عظم خلقها وكبر جرمها وشدة قوتها، فكانت أدل على تمام القدرة والفعل بالاختيار، قال منبها بذكرها على الحسن وأكثرها صنعا بعد ما أشار إلى دلالتها على البعث في البروج بذكر ثمود بعد أن صرح به في سورة سبحانه كما مضى [بيانه] في الموضعين ويأتي إن شاء الله تعالى في الفجر والشمس، وأوضح التعبير عنها هنا بما يدل على الخلطة المميلة المحيلة المناسبة لمعنى الغاشية بخلاف التعبير في سورة النحل بالأنعام لأنها سورة النعم التدبر في الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات إلى الإبل ونبه على أن عجيب خلقها مما ينبغي أن تتوفر الدواعي على الاستفهام والسؤال عنه بأداة الاستفهام، فقال بانيا للمفعول إشارة إلى أن الدال هو التأمل في مجرد خلقها الدال على إحاطة علم الله وعظيم إحسانه وقدرته تعالى وفعله بالاختيار وحسن تدبيره حيث خلقها لجر الأثقال [إلى البلاد] النائية فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة به من غير معين، منقادة لمن اقتادها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار الثقال ترعى كل نبات وتحتمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى بها قطع المفاوز، فهي سفن البر مع ما لها من منافع أخر، قال البيضاوي : ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات [ ص: 15 ] المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعا [و] لأنها أعجب ما عند العرب - انتهى، وتنفعل للبسط وتجد في سيرها [فتتأثر] بالصوت الحسن جدا، ومن عجائبها أنها لا تكذب أصلا فإنها لا تبرك [عجزا عن الحمل -] إلا وليس فيها من القوى شيء، وليس فيها ما تعم كراهته إلا كثرة رغائها فلعله سبحانه نفى عن الجنة اللغو لذلك، ولعله مثل العين الجارية وقربها بدرها، والسرر المرفوعة التي حكى أنها تنخفض حتى يتمكن المنتفع بها من ظهورها ثم ترتفع به بالسماء في علوها مع ما يعهدون من بروك الإبل للحمل والركوب ثم ارتفاعها لتمام الانتفاع، وقرب نصب الأكواب بسنامها والنمارق ببقيتها حال بروكها، ثم فصل ما دلت عليه الإبل من الأكواب بالجبال [التي] لا ترتقى مثل جبل السد، والنمارق بالتي ترتقى، وبسط الزرابي بمهد الأرض، قال أبو حيان رحمه الله تعالى: و كيف سؤال عن حال والعامل فيه خلقت وإذا علق الفعل عما فيه الاستفهام لم يبق الاستفهام على حقيقته.