ولما ذكر ما هو محسوس التخالف من المعاني والأجرام، أتبعه ما هو معقول التباين من الأعراض فقال: إن سعيكم أي عملكم أيها المكلفون في التوصل إلى مقصد واحد، ولذلك أكده لأنه لا يكاد يصدق اختلاف وجوه السعي مع اتحاد المراد، وعبر بالسعي ليبذل كل في عمله غاية جهده لشتى أي مختلف اختلافا شديدا باختلاف ما تقدم، وهو جمع شتيت كقتلى وقتيل، فيكون الإنسان رجلا وهو أنثى الهمة، ويكون أنثى وهو ذكر الفعل، فتنافيتم في الاعتقادات، وتعاندتم في المقالات، وتباينتم غاية التباين بأفعال طيبات وخبيثات، فساع في فكاك نفسه، وساع في إيثامها، فعلم قطعا أنه لا بد من محق ومبطل ومرض ومغضب لأنه لا جائز أن يكون المتنافيان متحدين [ ص: 89 ] في الوصف بالإرضاء أو الإغضاب، فبطل ما أراد المشركون من قولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء [الآية] وما ضاهاها.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما بين قبل حالهم في الافتراق، أقسم سبحانه على ذلك الشأن في الخلائق بحسب تقديره أزلا ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، فقال تعالى: إن سعيكم لشتى فاتصل بقوله تعالى قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها إن قوله تعالى فأما من أعطى واتقى - إلى - للعسرى يلائمه تفسيرا وتذكيرا بما الأمر عليه من كون الخير والشر بإرادته وإلهامه وبحسب السوابق قوله: فألهمها فجورها وتقواها فهو سبحانه الملهم للإعطاء والاتقاء والتصدق، والمقدر للبخل والاستغناء والتكذيب والله خلقكم وما تعملون لا يسأل عما يفعل ثم زاد ذلك إيضاحا بقوله تعالى إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فتبا للقدرية والمعتزلة وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون - انتهى.