ولما ذكر النهار بأشرف ما فيه مناسبة لأجل المقسم لأجله، أتبعه الليل مقيدا له بما يفهم إخلاصه لأنه ليس لأشرف ما فيه اسم يخصه فقال: والليل أي الذي به تمام الصلاح; ولما كان أوله وآخر النهار وآخره وأول النهار [ضوءا] ممتزجا بظلمة الالتفات ساق الليل بساق النهار، قيد بالظلام الخالص فقال: إذا سجى أي سكن أهله أو ركد ظلامه وإلباسه وسواده واعتدل فخلص فغطى بظلامه كل شيء، والمتسجي: المتغطي، ومع تغطيته سكنت ريحه، فكان في غاية الحسن، ويمكن أن يكون [الأول] مشيرا إلى ما يأتي به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من المحكم، والثاني مشيرا إلى المتشابه، وهذا الأربعة [ ص: 102 ] الأحوال للنور والظلمة - وهي ضوء ممتزج بظلمة، [وظلمة] ممتزجة بضوء، وضياء خالص وظلام خالص - الحاصلة في الآفاق في الإنسان مثلها، فروحه نور خالص، وطبعه ظلام حالك، وقلبه نور ممتزج بظلمة النفس، والنفس ظلمة ممتزجة بنور القلب، فإن قويت شهوة النفس على نورانية القلب أظلم جميعه، وإن قويت نورانية القلب على ظلمة النفس صار نورانيا، وإن غلبت الروح على الطبع تروحن فارتفع عن رتبة الملائكة، وإن غلب الطبع على الروح أنزله عن رتبة البهائم كما قال تعالى: إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا