لما ختم الزلزلة بالجزاء لأعمال الشر يوم الفصل، افتتح هذه ببيان ما يجر إلى تلك الأعمال من الطبع، وما ينجر إليه ذلك الطبع مما يتخيله من النفع، موبخا من لا يستعد لذلك اليوم بالاحتراز التام من تلك الأعمال، معنفا من أثر دنياه على أخراه، مقسما بما لا يكون إلا عند أهل النعم الكبار الموجبة للشكر، فمن غلب عليه الروح شكر، ومن غلب [ ص: 211 ] عليه الطبع - وهم الأكثر - كفر فقال: والعاديات أي الدواب التي من شأنها أن تجري بغاية السرعة، وهي الخيل التي ظهورها عز وبطونها كنز، وهي لرجل وزر ولرجل أجر، فمن فاخر بها ونادى بها أهل الإسلام وأبطره عزها حتى قطع الطريق وأخاف الرفيق كانت له شرا، ومن جعلها في سبيل الله كانت له أجرا، ومن حمل عليها ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها وكانت له سترا، وإنما أقسم بها ليتأمل ما فيها من الأسرار الكبار التي باينت به أمثالها من الدواب كالثور مثلا والحمار ليعلم أن الذي خصها بذلك فاعل مختار واحد قهار، فالقسم في الحقيقة به سبحانه.
ولما كانت دالة على الضابحات بالالتزام، قال ناصبا به أو بـ "تضبح" مقدرا: ضبحا [والضبح] صوت جهير من أفواهها عند العدو الشديد، ليس بصهيل ولا حمحمة ولا رغاء وهو النفس، وليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب، وأصله للثعلب واستعير للخيل، وحكاه رضي الله عنهما فقال: أح أح، أو الضبح عدو دون التقريب. ابن عباس