ولما كان من أهول الخطاب التهديد برؤية العذاب، زاد في التخويف بأنه لأجل أن يكون ما يعذب به العاصي عتيدا، فإذا أوجب السؤال النكال كان حاضرا لا مانع من إيقاعه في الحال، ولو [لم -] يكن حاضرا كان لمن استحقه في مدة إحضاره محال، فقال مفخما بأداة التراخي: ثم أي بعد أمور طويلة عظيمة مهولة جدا لتسألن وعزتنا يومئذ أي [إذ -] ترون الجحيم عن النعيم أي الذي أداكم التكاثر إليه حتى عن الماء البارد في الصيف والحار في [ ص: 232 ] الشتاء هل كان استمتاعكم به على وجه السرف لإرادة الترف أو كان لإرادة القوة للنشأة إلى الخير فلم يخرج عن السرف، فالمؤمن المطيع يسأل سؤال تشريف، والعاصي يسأل سؤال توبيخ وتأفيف، ولام النعيم قد تكون لمطلق الجنس وإليه يشير حديث رضي الله عنه عند أبي هريرة وغيره الترمذي أبا الهيثم بن التيهان مع أبي بكر رضي الله عنهما فأطعمهم بسرا ورطبا وسقاهم ماء باردا وبسط لهم بساطا في ظل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعمر
"إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه: ظل بارد ورطب طيب وماء بارد " [و -] قد يكون للكمال فيكون من أعلام النبوة كما في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضاف رضي الله عنه عند محمود بن لبيد من وجه حسن أحمد ". له شاهد عند إن شاء الله أنهم قالوا عند نزولها: أي نعيم وإنما هما الأسودان: التمر والماء، وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر، قال: "إن ذلك سيكون عن الطبراني رضي الله عنهما، وعند ابن الزبير أيضا عن الطبراني مرسلا، فقد التحم آخرها بأولها على وجه [هو -] من ألطف الخطاب، وأدق المسالك في النهي عما يجر إلى العذاب، لأن العاقل إذا علم أن بين يديه سؤالا عن كل ما يتلذذ به علم أنه يعوقه [ ص: 233 ] ذلك في زمن السؤال عن لذاذات الجنة العوال الغوال، فكان خوفه من مطلق السؤال مانعا له عن التنعم بالمباح فكيف بالمكروه فكيف ثم كيف بالمحرم؟ فكيف إذا كان السؤال من ملك تذوب لهيبته الجبال؟ فكيف إذا كان السؤال على وجه العتاب؟ فكيف إذا جر إلى العذاب؟ فتأمل كلام خالقك ما ألطف إشاراته وأجل عباراته، في نذاراته وبشاراته - والله أرحم. الحسن البصري