ولما بدأ بما هو الأحق بالبداءة وهو البراءة من الشرك، والطهارة من وضر الإفك، لأنه من درء المفاسد، فأبلغ في ذلك بما هو الحقيق بحاله صلى الله عليه وسلم، وكانوا هم يعبدون الله تعالى على وجه الإشراك، وكانت العبادة مع الشرك غير معتد بها بوجه، نفى عبادتهم له في الجملة الاسمية الدالة على الثبات لا في الفعلية الدالة على نفي كل قليل وكثير من حيث [أن -] الفعل نكرة في سياق النفي فقال: ولا أنتم عابدون أي عبادة معتدا بها بحيث يكون أهلا لأن تكون وصفا ثابتا.
[ ص: 306 ] ولما كانوا لا نزاع لهم في أن معبوده عالم، وكانت "ما" صالحة للإطلاق عليه سبحانه وتعالى، عبر فيه أيضا بها لأن ذلك - مع أنه لا ضرر فيه - أقرب إلى الإنصاف، فهو أدعى إلى عدم المراء أو الخلاف - فقال: ما أعبد أي الآن وما بعده لأن معبودي [وله -] العلم التام والقدرة الشاملة - أبعدكم عنه فلا مطمع في الوفاق بيننا.