ولما كان السحر أعظم ما يكون من ظلام الشر المستحكم في العروق الداخل في وقوبها. لما فيه من تفريق المرء من زوجه وأبيه وابنه، ونحو ذلك، وما فيه من ضنى الأجسام وقتل النفوس، عقب ذلك بقوله تعالى: ومن شر .
ولما كان كل ساحر شريرا بخلاف الغاسق والحاسد، وكان من جهة أنه شر كله، ومن جهة أنه أخفى من غيره، وكان ما هو منه من النساء أعظم لأن مبنى صحته وقوة تأثيره قلة العقل والدين ورداءة الطبع وضعف اليقين وسرعة الاستحالة، وهن أعرق في كل من هذه الصفات وأرسخ، وكان ما وجد منه من جمع وعلى وجه المبالغة أعظم من غيره عرف وبالغ وجمع وأنث ليدخل فيه ما دونه من باب الأولى فقال تعالى: السحر أضر من الغسق والحسد النفاثات [أي النفوس -] الساحرة سواء كانت نفوس الرجال أو نفوس النساء أي [ ص: 412 ] التي تبالغ في النفث وهو التفل وهو النفخ مع بعض الريق - هكذا في الكشاف، وقال صاحب القاموس: وهو كالنفخ وأقل من التفل، وقال: تفل: بزق، وفي التفسير عن أنه التفل بلا ريق، الزجاج في العقد [أي -] تعقدها للسحر في الخيوط وما أشبهها، وسبب نزول ذلك أن يهوديا سحر النبي صلى الله عليه وسلم فمرض كما يأتي تخريجه، فإن المرض ويصل إلى أن يقتل، فإذا السحر يؤثر بإذن الله تعالى وهو مما يقتل غالبا قتل بذلك عند أقر الساحر أنه قتل بسحره ، ولا ينافي قوله تعالى: الشافعي والله يعصمك من الناس كما مضى بيانه في المائدة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور، فإنهم ما أرادوا إلا الجنون أو ما يشبهه من فساد العقل واختلاله، والمبالغة في أن كل ما يقوله لا حقيقة له كما أن ما ينشأ عن المسحور يكون مختلطا لا تعرف حقيقته.