ولما تم ذلك موضحا لأن من لم يتبع الكتاب الموصوف؛ كان كافرا؛ وعن الطريق الأمم جائرا حائرا؛ وكان محصل حال اليهود - كما رأيت فيما تقدم؛ ويأتي من نصوص التوراة - أنهم لا يعتقدون؛ على كثرة ما يرون من الآيات؛ أن الله مع نبيهم دائما؛ وكان أنسب الأشياء بعد الوعظ أن يذكر حال النصارى في نبيهم؛ فإنه مباين لحال اليهود؛ من كل وجه؛ فأولئك على شك في أنه معه؛ وهؤلاء اعتقدوا أنه هو؛ فقال (تعالى) - مبينا أنهم في أظلم الظلام؛ وأعمى العمى -: " لقد " ؛ أو يقال: إن اليهود لما فرطوا فكفروا؛ أفهم ذلك أن النصارى لما أفرطوا كفروا؛ فصار حالهم كالنتيجة لما مضى؛ فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19611_27521_28723_29687_31998_32429_32430_33679_34092_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17لقد كفر الذين قالوا ؛ مؤكدين لبعد ما قالوه من العقل؛ فهو في غاية الإنكار؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17إن الله ؛ أي: على ما له من جميع صفات الكمال؛ التي لا يجهلها من له أدنى تأمل؛ إذا ترجى الهدى؛ وانخلع من أسر الهوى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17هو المسيح ؛ أي: عينه؛ وهو أقطع الكفر؛ وأبينه بطلانا؛ ووصفه بما هو في غاية الوضوح في بطلان قولهم؛ لبعده عن رتبة الألوهية؛ في الحاجة إلى امرأة؛ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ابن مريم ؛ فهو محتاج إلى كفالتها؛ بما لها من الأمومة.
ولما بطل مدعاهم على أتقن منهاج؛ وأخصره؛ وكان بما دق
[ ص: 65 ] على بعض الأفهام؛ أوضحه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17قل ؛ دالا على أن
المسيح - عليه السلام - عبد مملوك لله؛ مسببا عن كفرهم؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17فمن يملك من الله ؛ أي: الملك الذي له الأمر كله؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17شيئا ؛ أي: من الأشياء التي يتوهم أنها قد تمنعه مما يريد؛ بحيث يصير ذلك المملوك أحق به منه؛ ولا ينفذ له فيه تصرف؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17إن أراد ؛ أي: الله - سبحانه -؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17أن يهلك المسيح ؛ وكرر وصفه بالبنوة؛ إيضاحا للمراد؛ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ابن مريم ؛ وأزال الشبهة جدا بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وأمه ؛ ولما خصهما دليلا على ضعفهما المستلزم للمراد؛ عم دلالة على عموم القدرة؛ المستلزم لتمام القهر لكل من يماثلهما؛ المستلزم لعجز الكل؛ المبعد من رتبة الإلهية؛ فقال - موضحا للدليل بتسويتهما ببقية المخلوقات -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ومن في الأرض جميعا ؛ أي: فمن يملك منعه من ذلك.
ولما كان التقدير: "فإن ذلك كله لله؛ يهلكه كيف شاء؛ متى شاء"؛ عطف عليه ما هو أعم منه؛ فقال - معلما بأنه؛ مع كونه مالكا ملكا؛ له تمام التصرف -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ولله ؛ أي: الملك الأعلى؛ الذي لا شريك له؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ملك السماوات ؛ أي: التي بها قيام الأرض؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17والأرض وما بينهما ؛ أي: ما بين النوعين وبين أفرادهما؛ بما به تمام أمرهما; ثم استأنف قوله - دليلا على ما قبله؛ ونتيجة له -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17يخلق ما يشاء ؛ على أي كيفية أراد -
[ ص: 66 ] كما تقدم أن له أن يعدم ما يشاء كذلك -؛ فلا عجب في خلقه بشرا من أنثى فقط؛ لا بواسطة ذكر؛ حتى يكون سببا في ضلال من ضل به؛ ولما دل ذلك على تمام القدرة على المذكور عم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17والله ؛ أي: ذو الجلال والإكرام؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17على كل شيء ؛ أي: من ذلك؛ وغيره؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17قدير
وَلَمَّا تَمَّ ذَلِكَ مُوَضِّحًا لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْكِتَابَ الْمَوْصُوفَ؛ كَانَ كَافِرًا؛ وَعَنِ الطَّرِيقِ الْأَمَمِ جَائِرًا حَائِرًا؛ وَكَانَ مُحَصَّلُ حَالِ الْيَهُودِ - كَمَا رَأَيْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ وَيَأْتِي مِنْ نُصُوصِ التَّوْرَاةِ - أَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ؛ عَلَى كَثْرَةِ مَا يَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ؛ أَنَّ اللَّهَ مَعَ نَبِيِّهِمْ دَائِمًا؛ وَكَانَ أَنْسَبُ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ الْوَعْظِ أَنْ يَذْكُرَ حَالَ النَّصَارَى فِي نَبِيِّهِمْ؛ فَإِنَّهُ مُبَايِنٌ لِحَالِ الْيَهُودِ؛ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَأُولَئِكَ عَلَى شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَعَهُ؛ وَهَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ هُوَ؛ فَقَالَ (تَعَالَى) - مُبَيِّنًا أَنَّهُمْ فِي أَظْلَمِ الظَّلَامِ؛ وَأَعْمَى الْعَمَى -: " لَقَدْ " ؛ أَوْ يُقَالُ: إِنَّ الْيَهُودَ لَمَّا فَرَّطُوا فَكَفَرُوا؛ أَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى لَمَّا أَفْرَطُوا كَفَرُوا؛ فَصَارَ حَالُهُمْ كَالنَّتِيجَةِ لِمَا مَضَى؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19611_27521_28723_29687_31998_32429_32430_33679_34092_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ؛ مُؤَكِّدِينَ لِبُعْدِ مَا قَالُوهُ مِنَ الْعَقْلِ؛ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِنْكَارِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17إِنَّ اللَّهَ ؛ أَيْ: عَلَى مَا لَهُ مِنْ جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ الَّتِي لَا يَجْهَلُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ إِذَا تَرَجَّى الْهُدَى؛ وَانْخَلَعَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17هُوَ الْمَسِيحُ ؛ أَيْ: عَيْنُهُ؛ وَهُوَ أَقْطَعُ الْكُفْرِ؛ وَأَبْيَنُهُ بُطْلَانًا؛ وَوَصَفَهُ بِمَا هُوَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فِي بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ؛ لِبُعْدِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْأُلُوهِيَّةِ؛ فِي الْحَاجَةِ إِلَى امْرَأَةٍ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ابْنُ مَرْيَمَ ؛ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى كَفَالَتِهَا؛ بِمَا لَهَا مِنَ الْأُمُومَةِ.
وَلَمَّا بَطَلَ مُدَعَّاهُمْ عَلَى أَتْقَنِ مِنْهَاجٍ؛ وَأَخْصَرِهِ؛ وَكَانَ بِمَا دَقَّ
[ ص: 65 ] عَلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ؛ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17قُلْ ؛ دَالًّا عَلَى أَنَّ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لِلَّهِ؛ مُسَبَّبًا عَنْ كُفْرِهِمْ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ ؛ أَيْ: الْمَلِكِ الَّذِي لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17شَيْئًا ؛ أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا قَدْ تَمْنَعُهُ مِمَّا يُرِيدُ؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ؛ وَلَا يَنْفُذُ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17إِنْ أَرَادَ ؛ أَيْ: اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ؛ وَكَرَّرَ وَصْفَهُ بِالْبُنُوَّةِ؛ إِيضَاحًا لِلْمُرَادِ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17ابْنُ مَرْيَمَ ؛ وَأَزَالَ الشُّبْهَةَ جِدًّا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وَأُمَّهُ ؛ وَلَمَّا خَصَّهُمَا دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِهِمَا الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمُرَادِ؛ عَمَّ دَلَالَةً عَلَى عُمُومِ الْقُدْرَةِ؛ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَمَامِ الْقَهْرِ لِكُلِّ مَنْ يُمَاثِلُهُمَا؛ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَجْزِ الْكُلِّ؛ الْمُبْعِدِ مِنْ رُتْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ فَقَالَ - مُوَضِّحًا لِلدَّلِيلِ بِتَسْوِيَتِهِمَا بِبَقِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ؛ أَيْ: فَمَنْ يَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: "فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ؛ يُهْلِكُهُ كَيْفَ شَاءَ؛ مَتَى شَاءَ"؛ عَطَفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ؛ فَقَالَ - مُعْلِمًا بِأَنَّهُ؛ مَعَ كَوْنِهِ مَالِكًا مَلِكًا؛ لَهُ تَمَامُ التَّصَرُّفِ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وَلِلَّهِ ؛ أَيْ: الْمَلِكِ الْأَعْلَى؛ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17مُلْكُ السَّمَاوَاتِ ؛ أَيْ: الَّتِي بِهَا قِيَامُ الْأَرْضِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ؛ أَيْ: مَا بَيْنَ النَّوْعَيْنِ وَبَيْنَ أَفْرَادِهِمَا؛ بِمَا بِهِ تَمَامُ أَمْرِهِمَا; ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ - دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ وَنَتِيجَةً لَهُ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ؛ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ أَرَادَ -
[ ص: 66 ] كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْدِمَ مَا يَشَاءُ كَذَلِكَ -؛ فَلَا عَجَبَ فِي خَلْقِهِ بَشَرًا مِنْ أُنْثَى فَقَطْ؛ لَا بِوَاسِطَةِ ذَكَرٍ؛ حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا فِي ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ بِهِ؛ وَلَمَّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ عَمَّ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17وَاللَّهُ ؛ أَيْ: ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ؛ أَيْ: مِنْ ذَلِكَ؛ وَغَيْرِهِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=17قَدِيرٌ