ثم أتبعه ما يقيد به هذه النعم من الشكر؛ بامتثال في سياق مؤذن بالنصر؛ معلم بأنه نعمة أخرى يجب شكرها؛ فلذلك وصله بما قبله؛ وصل المعلول بالعلة؛ فقال: الأمر في جهاد الأعداء؛ يا قوم ادخلوا ؛ عن أمر الله الذي أعلمكم بما صنع من الآيات أنه غالب على جميع أمره؛ الأرض المقدسة ؛ أي: المطهرة المباركة؛ التي حكم الله أن يطهرها بأنبيائه ورسله من نجس الشرك وضر المعاصي والإفك؛ ويبارك فيها؛ ثم وصفها بما يوجب للمؤمن الإقدام لتحققه النصر؛ فقال: التي كتب الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ فلا مانع لما أعطى لكم ؛ أي: بأن تجاهدوا أعداءه؛ فترثوا أرضهم التي لا مثل لها؛ فتحوزوا سعادة الدارين؛ وهي بيت المقدس؛ التي وعد [ ص: 75 ] أباكم إبراهيم - عليه السلام - أن تكون ميراثا لولده؛ بعد أن جعلها مهاجره.
ولما أمرهم بذلك؛ نهاهم عن التقاعد عنه؛ فقال - مشيرا إلى أن مخالفة أمر الله لا تكون إلا بمعالجة للفطرة الأولى: ولا ترتدوا ؛ أي: تكلفوا أنفسكم الرجوع عن أخذها؛ وصور لهم الفتور عن أخذها بما يستحيي من له همة من ذكره؛ فقال: على أدباركم ؛ ولما جمع بين الأمر والنهي؛ خوفهم عواقب العصيان؛ معلما بأن ارتدادهم سبب لهلاكهم بغير شك؛ فقال - معبرا بصيغة الانفعال -: فتنقلبوا ؛ أي: من عند أنفسكم؛ من غير قالب يسلط عليكم؛ خاسرين ؛ أي: بخزي المعصية عند الله؛ وعار الجبن عن الناس؛ وخيبة السعي من خيري الدارين.