ولما أنزلهم - سبحانه - إلى عداد البهائم؛ بكونهم ينسبونهم إلى الشر؛ بجعلهم إياهم موضع الهزء واللعب؛ وبكونهم ينظرون إلى أي من خالفهم؛ فيبعدون منه؛ وينفرون عنه؛ من غير أن يستعملوا ما امتازوا به عن البهائم في أن المخالف ربما كان فيه الدواء؛ والمكروه قد يؤول إلى الشفاء؛ والمحبوب يجر إلى العطب؛ والتوى؛ بين لهم أن تلك رتبة سنية؛ ومنزلة علية بالنسبة إلى ما هم فيه؛ فقال - على سبيل التنزل؛ وإرخاء العنان -: قل ؛ أي: يا من لا ينهض بمحاجتهم لعلمهم ولددهم غيره؛ لما جبلت عليه من قوة الفهم؛ ثم لما أنزل عليك من العلم؛ هل أنبئكم ؛ أي: أخبركم إخبارا متقنا؛ معظما جليلا؛ بشر من ذلك ؛ أي: الأمر الذي نقمتموه علينا؛ مع كونه قيما؛ وإن تعاميتم عنه؛ ووحد حرف الخطاب؛ إشارة إلى عمى قلوبهم؛ وأن هذه المقايسة لا يفهمها حق الفهم إلا المؤيد بروح [ ص: 200 ] من الله؛ مثوبة ؛ أي: جزاء صالحا ويرجع إليه؛ فإن المثوبة للخير؛ كما أن العقوبة للشر؛ وهي مصدر ميمي؛ كـ "الميسور"؛ و"المعقول"؛ ثم نوه بشرفه؛ بقوله: عند الله ؛ أي: المحيط بصفات الجلال والإكرام؛ ثم رده أسفل سافلين؛ بيانا لأنه استعارة تهكمية على طريق "تحية بينهم ضرب وجيع"؛ بقوله - جوابا لمن كأنه قال: نعم -: من ؛ أي: مثوبة من لعنه الله ؛ أي: أبعده الملك الأعظم وطرده؛ وغضب عليه ؛ أي: أهلكه؛ ودل على اللعن والغضب بأمر محسوس؛ فقال: وجعل ؛ ودل على كثرة الملعونين بجمع الضمير؛ فقال: منهم ؛ أي: بالمسخ على معاصيهم؛ القردة ؛ تارة؛ والخنازير ؛ أخرى؛ والتعريف للجنس؛ وقال ابن قتيبة : إن التعريف يفيد ظن أنهم لم ينقرضوا؛ بل توالدوا حتى كان منهم أعيان ما تعرفه من النوعين؛ فما أبعد من كان منهم هذا من أن يكونوا أبناء الله وأحباءه! ثم عطف - على قراءة الجماعة - على قوله "لعنه الله"؛ سبب ذلك؛ بعد أن قدم المسبب؛ اهتماما به؛ لصراحته في المقصود؛ مع أن اللعن والغضب سبب حقيقي؛ والعبادة سبب ظاهري؛ فقال: وعبد الطاغوت ؛ وقرأه بضم الباء؛ على أنه جمع؛ والإضافة عطف على "القردة"؛ فهو - كما قال في القاموس - اللات؛ والعزى؛ والكاهن؛ والشيطان؛ وكل رأس ضلال؛ والأصنام؛ وكل ما عبد من دون الله؛ ومردة أهل الكتاب؛ للواحد؛ والجمع؛ "فلعوت"؛ من [ ص: 201 ] "طغوت"؛ وكل هذه المعاني تصلح ههنا؛ أما اللات والعزى؛ وغيرهما؛ مما لم يعبدوه صريحا؛ فلتحسينهم دين أهله؛ حسدا للإسلام؛ وقد عبدوا الأوثان في كل زمان؛ حتى في زمان حمزة موسى - عليه السلام - كما في نص التوراة؛ ثم بالغوا في النجوم لاستعمال السحر؛ فشاركوا الصابئين في ذلك؛ فمعنى الآية: تنزلنا إلى أن نسبتكم لنا إلى الشر صحيحة؛ ولكن لم يأت كتاب بلعننا؛ ولا بالغضب علينا؛ ولا مسخنا قردة؛ ولا خنازير؛ ولا عبدنا غير الله منذ أقبلنا عليه؛ وأنتم قد وقع بكم جميع ذلك؛ لا تقدرون أن تتبرؤوا من شيء منه؛ فلا يشك عاقل أنكم شر منا وأضل؛ والعاقل من إذا دار أمره بين شرين لم يختر إلا أقلهما شرا؛ فثبت كالشمس صحة دعوى أنهم قوم لا يعقلون؛ ولذلك ختم الآية بقوله: أولئك ؛ أي: البعداء؛ البغضاء؛ الموصوفون باللعن وما معه؛ شر مكانا ؛ وإذا كان ذلك لمكانهم فما ظنك بأنفسهم؛ فهو كناية عن نسبتهم إلى العراقة في الشر؛ وأضل ؛ أي: ممن نسبوهم إلى الشر والضلال؛ وسلم لهم ذلك فيهم؛ إرخاء للعنان؛ قصدا للإبلاغ في البيان؛ عن سواء ؛ أي: قصد وعدل السبيل ؛ أي: الطريق؛ ويجوز أن تكون الإشارة في ذلك إلى ما دل عليه الدليل الأول؛ من عدم عقلهم؛ ولا تنزل حينئذ؛ وإنما قلت: إنهم لا يقدرون على إنكار شيء [ ص: 202 ] من ذلك؛ لأن في نص التوراة التي بين أظهرهم في السفر الخامس: (فالرب يقول لكم؛ ويأمركم أن تكونوا له شعبا حبيبا؛ وتحفظوا جميع وصاياه؛ وتعملوا بها؛ فإنه يرفعكم فوق جميع الشعوب؛ وإذا جزتم الأردن انصبوا الحجارة التي آمركم بها اليوم على جبل عبل؛ وكلسوها بالكلس؛ وابنوا هناك مذبحا من الحجارة لم يقع عليها حديد؛ ولكن ابنوا الحجارة كاملة؛ لم تقطع؛ وقربوا عليها ذبائح كاملة أمام الله ربكم؛ وكلوا هناك؛ وافرحوا أمام الله ربكم؛ واكتبوا على تلك الحجارة جميع آيات هذه السنة.. ثم عين موسى رجالا يقومون على جبل إذا جازوا الأردن؛ ويهتفون بصوت عال؛ ويقولون لبني إسرائيل: ملعونا يكون الذي يتخذ أصناما مسبوكة؛ وأوثانا منحوتة أمام الرب؛ والشعب كلهم يقولون: آمين؛ ملعونا يكون من ينقل حد صاحبه؛ ويظلمه في أرضه؛ ويقول الشعب كلهم: آمين؛ ملعونا يكون من يضل الأعمى عن الطريق؛ ويقول الشعب كلهم: آمين! ملعونا يكون من يحيف على المسكين؛ واليتيم؛ والأرملة؛ في القضاء؛ ويقول الشعب كلهم: آمين؛ - إلى أن قال: ملعونا يكون كل من لا يثبت على عهد آيات هذه التوراة؛ ويعمل بها؛ ويقول الشعب كلهم: آمين؛ ثم قال: وإن أنتم لم تسمعوا قول الله ربكم؛ ولم تحفظوا؛ ولم تعملوا بجميع سننه؛ ووصاياه التي آمركم بها اليوم؛ ينزل بكم هذا اللعن الذي أقص [ ص: 203 ] عليكم كله؛ ويدركم العقاب؛ وتكونوا ملعونين في القرية؛ ملعونين في الحرب؛ ويلعن نسلكم؛ وثمار أرضكم؛ وتكونون ملعونين إذا دخلتم؛ وملعونين إذا خرجتم؛ ينزل بكم الرب البلاء والحشرات؛ وينزل بكم الضربات الشديدة؛ وبكل شيء تمدون أيديكم إليه لتعملوه؛ حتى يهلككم؛ ويتلفكم سريعا؛ من أجل سوء أعمالكم؛ وترككم لعبادتي؛ ويسلط عليكم هذه الشعوب حتى تهلكوا؛ وتكون السماء التي فوقكم عليكم شبه النحاس؛ والأرض تحتكم شبه الحديد؛ ويكسركم الرب بين يدي أعدائكم؛ تخرجون إليهم في طريق واحدة؛ وتهربون في سبعة طرق؛ وتكونون مثلا وقرعا لجميع مملكات الأرض؛ وتكون جيفكم مأكلا لجميع السباع؛ وطيور السماء؛ ولا يذب أحد عنكم؛ تكونون مقهورين؛ مظلومين؛ مغصوبين؛ كل أيام حياتكم؛ يسبي بنيك وبناتك شعب آخر؛ وتنظر إليهم ولا تقدر لهم على خلاص؛ وتكون مضطهدا مظلوما طول عمرك؛ يسوقك الرب؛ ويسوق ملكك الذي ملكه عليك إلى شعب لم يعرفه أبوك؛ وتعبد هناك آلهة أخرى عملت من خشب وحجارة؛ وتكون مثلا وعجبا؛ ويفكر فيك كل من يسمع خبرك في جميع الشعوب التي يقركم الله فيها؛ تزرع كثيرا؛ وتحصد قليلا؛ ويتعظم عليك سكانك؛ ويصيرون فوقك؛ هذا اللعن [ ص: 204 ] كله يلزمك؛ وينزل بك؛ ويدركك حتى تهلك؛ لأنك لم تقبل قول الله ربك؛ ولم تحفظ سننه؛ ووصاياه التي أمرك بها؛ وتظهر فيك آيات وعجائب؛ وفي نسلك إلى الأبد؛ لأنك لم تعبد الله ربك؛ ولم تعمل بوصاياه؛ ويصير أعداؤك دق الحديد على عنقك؛ ويسلط الله عليك شعبا يأتيك وأنت جائع؛ ظمآن؛ عريان؛ فقير؛ قد أعوزك كل شيء يحتاج إليه؛ وتخدم أعداءك؛ ويسرع إليك مثل طيران النسر شعب لا تعرف نعتهم؛ شعب وجوههم صفيقة؛ لا تستحيي من الشيوخ؛ ولا ترحم الصبيان؛ ويضيق عليك في جميع قراك حتى يظفر بسوراتك المشيدة التي تتوكل عليها؛ وتثق بها في كل أرضك؛ وتضطر حتى تأكل لحم ولدك؛ والرجل المدلل منكم المفنق تنظر عيناه إلى أخيه؛ وخليله؛ وإلى من بقي من ولده جائعا؛ لا يعطيهم من لحم ابنه الذي يأكله؛ لأنه لا يبقى عنده شيء؛ من الاضطهاد؛ والضيق الذي يضيق عليك عدوك؛ وإن لم تحفظ وتعمل بجميع الوصايا والسنن التي كتبت في هذا الكتاب؛ وتتق الله ربك؛ وتهب اسمه المحمود المرهوب؛ يخصك الرب بضربات موجعة؛ ويبتلك بها؛ ويبتل نسلك من بعدك؛ ويبق من نسلك عدد قليل من بعد كثرتهم التي كانت قد صارت مثل نجوم السماء؛ [ ص: 205 ] لأنك لم تسمع قول الله؛ كما فرحكم الرب وأنعم عليكم؛ وكثركم؛ كذلك يفرح الرب لكم؛ ليستأصلكم بالعقاب والنكال؛ ويدمر عليكم ويتلفكم؛ وتجلون عن الأرض التي تدخلونها لترثوها؛ ويفرقكم الرب بين جميع الشعوب)؛ هذه أقوال العهد التي أمر الله بها موسى أن يعاهد بني إسرائيل في أرض موآب سوى العهد الذي عاهدهم بحوريب؛ فإن قالوا: نحن لم ننقض بعد موسى - عليه السلام - حتى يلزمنا هذا اللعن المشروط بنقض العهد؛ قيل: قد شهد عليكم بذلك ما بين أيديكم من كتابكم؛ فإنه قال في آخر أسفاره ما نصه: (وقال الرب لموسى : قد دنت أيام وفاتك؛ فادع يشوع؛ وقوما في قبة الزمان لآمره بما أريد؛ وانطلق يشوع وموسى ؛ وقاما في قبة الزمان؛ وظهر الرب في قبة الزمان بعمود من سحاب؛ وقام عمود من سحاب في باب قبة الزمان؛ وقال الرب لموسى : أنت مضطجع؛ منقلب إلى آبائك؛ فيقوم هذا الشعب فيضل؛ ويتبع آلهة أخرى؛ آلهة الشعوب التي تدخل؛ وترى؛ وتسكن بينها؛ ويخالفني؛ ويبطل عهدي الذي عهدته؛ ويشتعل غضبي عليه في ذلك اليوم؛ وأخذلهم؛ وأدير وجهي عنهم؛ ويصيرون مأكلا لأعدائهم؛ ويصيبهم شر شديد؛ وغم طويل؛ لأنهم تبعوا الآلهة الأخرى؛ فاكتب لهم الآن هذا التسبيح؛ وعلمه بني إسرائيل؛ وصيره في أفواههم؛ ليكون هذا التسبيح شهادة على [ ص: 206 ] بني إسرائيل؛ لأني مدخلهم الأرض التي أقسمت لآبائهم؛ الأرض التي تغل السمن والعسل؛ ويأكلون؛ ويشبعون؛ ويتلذذون؛ ويتبعون الآلهة الأخرى؛ ويعبدونها؛ ويغضبونني؛ ويبطلون عهدي؛ فإذا نزل بهم هذا الشر الشديد؛ والغموم؛ يتلى عليهم هذا التسبيح للشهادة؛ ولا تعدمه أفواه ذريتهم؛ لأني عالم بأهوائهم؛ وكل ما يصنعونه ههنا اليوم قبل أن أدخلهم الأرض التي أقسمت لآبائهم؛ وكتب موسى هذا التسبيح ذلك اليوم؛ وعلمه بني إسرائيل)؛ وذكر بعد هذا كله ما ذكرته عند: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين ؛ في "النساء"؛ فراجعه؛ ثم قال: (أنصتي أيتها السماء فأتكلم؛ ولتسمع الأرض النطق من في؛ لأنها ترجو كلامي عطشانة؛ وكمثل الندى ينزل قولي؛ وكالمطر على النخيل؛ وشبه الضباب على العشب؛ لأني دعوت باسم الرب أبدا؛ وبالتعظيم لله الرب العدل؛ وليس عنده ظلم؛ الرب البار الصادق؛ أخطأ أولاد الأنجاس؛ الجيل المتعوج المنقلب؛ وبهذا كافؤوا الرب؛ لأنه شعب جاهل؛ وليس بحليم؛ أليس الرب استخلصك وخلقك؟! اذكروا أيام الدهر؛ وتفهموا ما مضى من سنني جيلا بعد جيل؛ استخبر أباك فيخبرك؛ وشيوخك فيفهموك؛ حين قسم العلي للأمم بني آدم ؛ الذين فرقهم؛ أقام حدود الأمم على عدد الملائكة؛ [ ص: 207 ] وصار جزء الرب شعبه؛ يعقوب؛ حبل ميراثه؛ إسرائيل؛ فأرواه في البرية من عطش الحر؛ حيث لم يكن ماء؛ وحاطه وأدبه وحفظه مثل حدقة العين؛ وكمثل النسر حيث نقل عشه؛ وإلى فراخه اشتاق؛ فنشر أجنحته؛ وقبلهم؛ وحملهم على صلبه؛ الرب وحده ساقهم؛ ولم يكن معهم إله آخر؛ وأصعدهم إلى علو الأرض؛ وأطعمهم من ثمر الشجر؛ وغذاهم عسلا من حجر؛ من الصخرة أخرج لهم الزيت؛ ومن سمن البقر؛ ولبن الغنم؛ وشحم الخراف؛ والكباش؛ والثيران؛ والجداء؛ ولب القمح؛ أكل يعقوب المخصوص؛ حين شحم وغلظ وعرض؛ ترك الإله الذي خلقه؛ وبعد من الله مخلصه؛ يقول الله: أسخطوني مع الغرباء بأوثانهم؛ وأغضبوني حين ذبحوا للشياطين؛ ولم يقربوا لإله الآلهة؛ ولم يعرفه الجيل الجديد؛ الذين أتوا ونسوا آباءهم).
هذا ما أردت ذكره من التوراة؛ في الشهادة على لزوم اللعن والغضب لهم؛ بعبادتهم الطواغيت؛ وقد صدق الله قوله فيها؛ وأتم كلماته - وهو أصدق القائلين - بما وقع لهم بعد وفاة موسى - عليه السلام - ثم بعد يوشع - عليه السلام - مع ما تقدم لهم في أيام يوشع - عليه السلام - من عبادة بعليون [ ص: 208 ] الصنم؛ كما مضى عند قوله (تعالى): وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم
ذكر ما يصدق ذلك من سفر يوشع؛ قال: (ودعا يوشع جميع بني إسرائيل؛ وقال لهم: أنا قد شخت وطعنت في السن؛ وأنتم قد رأيتم ما صنع الله بهذه الشعوب؛ إنه أهلكهم من بين أيديكم؛ وإن الله ربكم هو تولى حروبكم؛ وظفركم؛ قد علمتم أني قسمت لكم الشعوب التي بقيت؛ فأما عند النهر الأعظم؛ في مغارب الشمس؛ فقد قسمتها لكم؛ والله ربكم يهزمهم؛ ويهلكهم من أمامكم؛ وترثون أرضهم؛ كما قال الله ربكم؛ ولكن تقووا جدا؛ واعملوا بجميع ما كتب في سفر موسى عند الرب؛ أهلك الرب من أمامكم شعوبا عظيمة؛ ولم يثبت لكم إنسان إلى اليوم؛ الرجل منكم يهزم ألف رجل؛ لأن الله ربكم معكم؛ وهو يجاهد عنكم؛ كما قال لكم؛ فاحترسوا لأنفسكم؛ إن أنتم خالطتم الشعوب الذين بقوا بينكم؛ وصرتم لهم أختانا؛ صاروا لكم فخاخا؛ وعثرات؛ وأسنة في أصدافكم؛ وصنارات في أعينكم؛ حتى تهلكوا من الأرض الصالحة؛ التي أعطاكم الله ربكم؛ وأما أنا؛ فسائر في طريق أهل الأرض كلهم؛ وقد تعلمون يقينا من كل قلوبكم؛ وأنفسكم؛ أنه ما سقطت كلمة واحدة من الكلام الذي وعدكم الله ربكم؛ [ ص: 209 ] وكما تم كل الكلام الصالح الذي وعدكم الله به؛ كذلك ينزل بكم كل اللعن؛ حتى تهلكوا وتبيدوا؛ إن أنتم عصيتم؛ وتعديتم على ميثاق الله ربكم؛ والوصايا التي أوصاكم بها; وجمع جميع بني إسرائيل إلى سجام؛ وأقامهم أمام الرب في قبة الزمان؛ وقال: اسمعوا قول الله؛ إله إسرائيل: كان آباؤكم سكانا في مجاز النهر في الدهر الأول؛ ترح؛ أبو إبراهيم؛ وناحور؛ وكانوا يعبدون هناك آلهة أخرى؛ وعهدت إلى إبراهيم أبيكم؛ وأخرجته من مجاز النهر؛ وسيرته في أرض كنعان كلها؛ وأكثرت ذريته؛ ورزقته إسحاق ابنا؛ ورزقت إسحاق يعقوب وعيسو؛ وأعطيت عيسو جبل ساعير ميراثا؛ فأما يعقوب وبنوه فنزلوا إلى مصر ؛ وأرسلت موسى وهارون؛ وعاقبت أهل مصر ؛ وأكثرت في أرضهم من الآيات والأعاجيب؛ ومن بعد ذلك أخرجتهم منها؛ وشق لهم الرب بحر سوف؛ وأجاز إياكم فيه مشيا؛ فلما أراد المصريون أن يجوزوا أقلب البحر عليهم؛ وغرقهم؛ ورأت أعينكم ما صنعت بأهل مصر ؛ ثم أتيت بكم المفازة؛ وسكنتموها أياما كثيرة؛ وأتيت بكم أرض الأمورانيين الذين يسكنون عند مجاز الأردن؛ وحاربوكم؛ ودفعتهم إليكم؛ ووثب عليكم بالاق بن صفور؛ ملك الموآبيين؛ وحارب إسرائيل؛ فأرسل فدعا بلعام بن بعور ليلعنكم؛ ولم يسرني أن أسمع قول بلعام؛ ولكن باركت عليكم؛ ونجيتكم من يديه؛ [ ص: 210 ] ثم جزتم نهر الأردن ؛ وأتيتم أهل أريحا؛ فحاربكم أهلها؛ والأمورانيون - ثم عد بقية الطوائف السبع -؛ فدفعتهم إليكم أجمعين؛ وأعطيتكم أرضا لم تتعبوا فيها؛ فاتقوا الرب؛ واعبدوه بالبر والعدل؛ واصرفوا عن قلوبكم الفكر في عبادة الآلهة الأخرى؛ التي عبدها آباؤكم عند مجاز النهر؛ وفي أرض مصر ؛ واعبدوا الرب وحده؛ وإن كان يشق عليكم أن تعبدوا الرب؛ اختاروا لأنفسكم يومنا هذا من تعبدون؛ أتحبون أن تعبدوا الآلهة التي عبدها آباؤكم عند مجاز نهر الفرات؛ أم آلهة الأمورانيين الذين سكنتم بينهم؟! أما أنا؛ وأهل بيتي؛ فإنا نعبد الله الرب؛ فأجاب الشعب وقالوا: حاشا لله أن نجتنب عبادة الرب ونعبد الآلهة الأخرى؛ لأن الله ربنا هو الذي أخرجنا من أرض مصر ؛ وخلصنا من العبودية؛ وأكمل الآيات؛ والأعاجيب أمامنا؛ وحفظنا في كل الطرق التي سلكناها؛ وقوانا على جميع الشعوب التي حاربناها؛ لذلك نعبد الرب؛ لأنه هو الإله وحده؛ وهو إلهنا؛ فقال: انظروا؛ لعلكم تجتنبون عبادة الله؛ وتعبدون الآلهة الغريبة؛ فيغضب الرب عليكم؛ وينزل بكم البلاء؛ ويهلككم من بعد إنعامه عليكم؛ فقال الشعب: لا يكون لنا عبادة أخرى غير عبادة الله؛ ربنا؛ قال يشوع: أشهدتم على أنفسكم؟! أنتم الذين اخترتم عبادة الرب؛ [ ص: 211 ] قالوا له: نشهد؛ فأول ما دخل عليهم الدخيل أنهم لم يستأصلوا الكفرة؛ وخالطوهم في أيام يوشع; قال في سفره: فصعد رسول الرب من الجلجال إلى سجين؛ وقال لبني إسرائيل: هكذا يقول الرب: أنا الذي أصعدتكم من أرض مصر ؛ وأتيت بكم الأرض التي أقسمت لآبائكم؛ وقلت: إني لا أبطل عهدي إلى الأبد؛ وأمرتكم ألا تعاهدوا أهل هذه الأرض؛ ولكن استأصلوا مذابحهم؛ ولم تقبلوا؛ ولم تطيعوني؛ وأنا أيضا قد قلت: إني لا أهلكهم من أمامكم؛ ولكن تكون لكم آلهتهم عشرة؛ فلما قال رسول الرب لبني إسرائيل هذا القول؛ رفع القوم أصواتهم بالبكاء؛ ودعوا اسم ذلك الموضع تحناد؛ أي: موضع البكاء؛ وذبحوا هناك ذبائح للرب; وتوفي يشوع بن نون عند الرب؛ ابن مائة وعشرين سنة؛ ودفن في حد ميراثه بسرح؛ التي في جبل إفرائيم؛ عن يسار جبل جعس؛ وكل ذلك الحقب أيضا قبضوا؛ ونشأ من بعدهم حقب لم يعرف الرب؛ ولم يعرف أعماله التي عملها؛ وارتكب بنو إسرائيل السيئات أمام الرب؛ واجتنبوا عبادة الله؛ إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر ؛ وتبعوا آلهة الشعوب التي حولهم؛ وسجدوا لها؛ وعبدوا بعلا؛ وأشتراثا الصنمين؛ وغضب الرب على بني إسرائيل؛ وسلط عليهم المنتهبين؛ ودفعهم إلى أعدائهم؛ ولم يقدروا [ ص: 212 ] أن يثبتوا لأعدائهم؛ وكلما كانوا يخرجون إلى الحرب كانت يد الرب عليهم بالعقاب؛ والبلاء؛ كما قال لهم الرب؛ وكما أقسم لآبائهم؛ واضطروا؛ وضاق بهم جدا؛ فصير الرب عليهم قضاة؛ وأعان قضاتهم؛ وخلصوهم من أيدي أعدائهم؛ وكان الرب يسمع أنينهم؛ وما يشكون من المضيقين عليهم؛ والمزعجين لهم؛ فلما توفيت قضاتهم رجعوا إلى الفساد كآبائهم؛ وعبدوا الأصنام؛ وسجدوا لها؛ ولم ينقصوا من سوء أعمالهم الأولى؛ وطرقهم الرديئة؛ فاشتد غضب الرب على بني إسرائيل؛ وقال: لأن الشعب اعتدوا الوصية التي أوصيت آباءهم؛ ولم يسمعوا قولي؛ لا أعود أن أهلك إنسانا بين أيديهم من الشعوب التي خلف يشوع؛ بعد وفاته؛ ليجرب الرب بها بني إسرائيل؛ هل يحفظون طرق الرب كما حفظ آباؤهم أولا؛ فلذلك ترك الرب هذه الشعوب؛ ولم يهلكهم سريعا؛ ولم يسلمها في يدي يشوع؛ والذين تركوا خمسة رؤساء؛ أهل فلسطين؛ وجميع الكنعانيين؛ والصيدانيين؛ والحاوانيين؛ والذين يسكنون جبل لبنان؛ ومن جبل بني حرمون؛ إلى مدخل حماة؛ ليجرب بهم بني إسرائيل؛ وجلس بنو إسرائيل بين يدي الأمورانيين وبقية القبائل؛ وزوجوا بنيهم من بناتهم؛ وزوجوا بناتهم من بنيهم؛ وعبدوا آلهتهم؛ وارتكب بنو إسرائيل السيئات أمام الرب؛ ونسوا صنيع الرب إلههم؛ وعبدوا بعلا وأشتراثا؛ [ ص: 213 ] واشتد غضب الرب على بني إسرائيل؛ ودفعهم إلى كوشان الأتيم؛ ملك حران؛ فاستعبدهم ثماني سنين؛ ودعا بنو إسرائيل الرب متضرعين؛ وصير الرب لهم مخلصا؛ وخلصهم عثنايال بن قنز؛ أخو كالاب الأصغر؛ فأعانه الرب؛ وصار حاكما لبني إسرائيل؛ فخرج إلى الحرب؛ وأسلم الرب في يده كوشان الأتيم؛ واستراحت الأرض من الحرب أربعين سنة؛ وتوفي عثنايال بن قنز؛ وعاد بنو إسرائيل في سوء أعمالهم أمام الرب؛ فقوى الرب عليهم ملك موآب؛ واستمروا هكذا في كل حين ينقضون؛ وسنة الرب كل قليل يرفضون؛ ولا يستقيمون إلا بقدر ما ينسون حرارة النقم؛ ويذوقون لذاذة النعم)؛ ولولا خوف الإطالة الموجبة للسآمة؛ والملالة؛ لذكرت من ذلك كثيرا من الكتب التي بين أيديهم؛ لا يقدرون على إنكار ما يلزمهم بها من الفضيحة والعار؛ والله الموفق.