ولما دل - كالشمس - ميلهم إلى المشركين دون المؤمنين؛ على أنهم في غاية العداوة لهم؛ صرح (تعالى) بذلك؛ على طريق الاستنتاج؛ فقال - دالا على رسوخهم في الفسق -: لتجدن أشد الناس ؛ أي: كلهم؛ عداوة للذين آمنوا ؛ أي: أظهروا الإقرار بالإيمان؛ فكيف بالراسخين فيه؟! اليهود ؛ قدمهم لأنهم أشد الفريقين؛ لأنه لا أقبح من ضال على علم؛ والذين أشركوا ؛ لما جمعهم من الاستهانة بالأنبياء؛ هؤلاء جهلا؛ وأولئك عنادا؛ وبغيا؛ فعرف أن من صدق في إيمانه لا يواليهم بقلبه؛ ولا بلسانه؛ وأنهم ما اجتمعوا على الموالاة إلا لاجتماعهم في أشدية العداوة لمن [ ص: 269 ] آمن؛ فهذه الآية تعليل لما قبلها؛ كأنه قيل: هب أنهم لا يؤمنون بالله؛ والنبي؛ وذلك لا يقتضي موادة المشركين؛ فلم والوهم حينئذ؟ فقيل: لأن الفريقين اجتمعوا في أشدية العداوة للذين آمنوا.
ولما أخبر (تعالى) بأبعد الناس مودة لهم؛ أخبر بضدهم؛ فقال: ولتجدن أقربهم ؛ أي: الناس؛ مودة للذين آمنوا ؛ أي: أوجدوا الإيمان بالقلب؛ واللسان؛ الذين قالوا ؛ وفي التوريك على قولهم إشارة إلى أنهم ما كانوا على حقيقة النصرانية؛ إنا نصارى ؛ أي: لقلة اهتمامهم بالدنيا؛ بمجرد قولهم ذلك؛ ولو لم يكونوا عريقين في الدين؛ وإقبالهم على علم الباطن؛ ولذلك علله بقوله: ذلك بأن منهم قسيسين ؛ أي: مقبلين على العلم؛ من "القس"؛ وهو ملازمة الشيء؛ وتتبعه؛ ورهبانا ؛ أي: في غاية التخلي من الدنيا; ولما كان التخلي منها موجبا للبعد من الحسد؛ وهو سبب لمجانبة التكبر؛ قال: وأنهم لا يستكبرون ؛ أي: لا يطلبون الرفعة على غيرهم؛ ولا يوجدونها.