والثاني: أنها المصدرية، قاله يعني التي تنصب المضارع الثنائية الوضع، وهذا ليس بجيد; لأن النحاة نصوا على أن "أن" المصدرية لا توصل إلا بالفعل المتصرف مطلقا أي ماض ومضارع وأمر و "عسى" لا يتصرف فكيف يقع صلة لها؟ و "أن" على كلا الوجهين في محل جر نسقا على "ملكوت"، أي: وألم ينظروا في أن الأمر والشأن عسى أن يكون. و أبو البقاء "أن يكون" فاعل عسى، وهي حينئذ تامة لأنها متى رفعت أن وما في حيزها كانت تامة، ومثلها في ذلك أوشك واخلولق. وفي اسم [ ص: 527 ] "يكون" قولان، أحدهما: هو ضمير الشأن، ويكون "قد اقترب أجلهم" خبرا لها. والثاني: أنه "أجلهم" و "قد اقترب" جملة من فعل وفاعل هو ضمير "أجلهم" ولكن قدم الخبر وهو جملة فعلية على اسمها، وقد تقدم ذلك والخلاف فيه: وهو أن ابن مالك يجيزه، وابن عصفور يمنعه، عند قوله: ما كان يصنع فرعون .
قوله: " فبأي " متعلق بـ " يؤمنون " وهي جملة استفهامية سيقت للتعجب، أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره؟ والهاء في "بعده" تحتمل العود على القرآن وأن تعود على الرسول، ويكون الكلام على حذف مضاف، أي: بعد خبره وقصته، وأن تعود على "أجلهم"، أي: إنهم اذا ماتوا وانقضى أجلهم فكيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم؟ قال فإن قلت: بم تعلق قوله: الزمخشري: "فبأي حديث بعده يؤمنون"؟ قلت: بقوله "عسى أن يكون قد اقترب أجلهم" . كأنه قيل: لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون [إلى] الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق، وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا"؟ يعني التعلق المعنوي المرتبط بما قبله لا الصناعي وهو واضح.
قوله: "ويذرهم" قرأ الأخوان بالياء وجزم الفعل، وعاصم بالياء أيضا ورفع الفعل، وأبو عمرو ونافع وابن كثير بالنون ورفع الفعل أيضا. وابن عامر
وقد روي الجزم أيضا عن نافع في الشواذ. فالرفع من وجه واحد [ ص: 528 ] وهو الاستئناف أي: وهو يذرهم، أو: ونحن نذرهم على حسب القراءتين. وأما السكون فيحتمل وجهين أحدهما: أنه جزم نسقا على محل قوله وأبي عمرو "فلا هادي له" لأن الجملة المنفية جواب للشرط فهي في محل جزم فعطف على محلها وهو كقوله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر بجزم "يكفر"، وكقول الشاعر:
2350 - أنى سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
وأنشد أيضا قول الآخر: الواحدي
2351 - فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم وأستدرج نويا
قال: حمل "أستدرج" على موضع الفاء المحذوفة من قوله "فلعلي أصالحكم" . والثاني: أنه سكون تخفيف كقراءة ينصركم و يشعركم ونحوه. وأما الغيبة فجريا على اسم الله تعالى، والتكلم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم تعظيما. أبي عمرو: