قوله: أني معكم مفعول بـ "يوحي"، أي: يوحي كوني معكم بالغلبة والنصر. وقرأ بخلاف عنه " إني معكم " بكسر الهمزة. [ ص: 578 ] وفيه وجهان، أحدهما: أن ذلك على إضمار القول، وهو مذهب البصريين. والثاني: إجراء "يوحي" مجرى القول لأنه بمعناه، وهو مذهب الكوفيين. قوله: عيسى بن عمر فوق الأعناق فيه أوجه، أحدها: أن "فوق" باقية على ظرفيتها، والمفعول محذوف أي: فاضربوهم فوق الأعناق، علمهم كيف يضربونهم. والثاني: أن "فوق" مفعول به على الاتساع لأنه عبارة عن الرأس كأنه قيل: فاضربوا رؤوسهم. وهذا ليس بجيد لأنه لا يتصرف. وقد زعم بعضهم أنه يتصرف وأنك تقول: فوقك رأسك برفع "فوقك"، وهو ظاهر قول فإنه قال: "فوق الأعناق: أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح التي هي مفاصل". الثالث: وهو قول الزمخشري أنها بمعنى على أي: على الأعناق، ويكون المفعول محذوفا تقديره: فاضربوهم على الأعناق، وهو قريب من الأول. الرابع: قال أبي عبيدة "هي بمعنى دون". قال ابن قتيبة: وهذا خطأ بين وغلط فاحش، وإنما دخل عليه اللبس من قوله: ابن عطية: بعوضة فما فوقها ، أي: فما دونها، وليست "فوق" هنا بمعنى دون، وإنما المراد: فما فوقها في القلة والصغر. الخامس: أنها زائدة أي اضربوا الأعناق وهو قول أبي الحسن، وهذا عند الجمهور خطأ، لأن زيادة الأسماء لا تجوز.
قوله: منهم كل بنان يجوز أن يتعلق "منهم" بالأمر قبله أي: ابتدئوا الضرب من هذه الأماكن والأعضاء من أعاليهم إلى أسافلهم. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على [ ص: 579 ] أنه حال من "كل بنان"; لأنه في الأصل يجوز أن يكون صفة له لو تأخر قال "ويضعف أن يكون حالا من "بنان" إذ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف"، فكأن المعنى: اضربوهم كيف ما كان. أبو البقاء:
قال "يعني ضرب الهام". قال: الزمخشري:
2388 - . . . . . . . . . . . . . . . . . وأضرب هامة البطل المشيح
وقال:
2389 - غشيته وهو في جأواء باسلة عضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا
وقال ويحتمل أن يريد بقوله: ابن عطية: "فوق الأعناق" وصف أبلغ ضربات العنق، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق، ودون عظم الرأس، ثم قال: "منه قوله:
2390 - جعلت السيف بين الجيد منه وبين أسيل خديه عذارا".
وقيل: هذا من ذكر الجزء وإرادة الكل كقول عنترة: [ ص: 580 ]
2391 - عهدي به شد النهار كأنما خضب البنان ورأسه بالعظلم
والبنان: قيل الأصابع، وهو اسم جنس، الواحد بنانة قال عنترة:
2392 - وإن الموت طوع يدي إذا ما وصلت بنانها بالهندواني
وقال أبو الهيثم: "البنان: المفاصل، وكل مفصل بنانة". وقيل: البنان: الأصابع من اليدين والرجلين. وقيل: الأصابع من اليدين والرجلين وجميع المفاصل من جميع الأعضاء، وأنشد لعنترة:
2393 - وكان فتى الهيجاء يحمي ذمارها ويضرب عند الكرب كل بنان
وقد تبدل نونه الأخيرة ميما. قال رؤبة:
2394 - يا هال ذات المنطق النمنام وكفك المخضب البنام