و "من" يجوز أن تكون موصولة فلا محل للجملة بعدها، وأن تكون موصوفة فتكون الجملة في محل جر صفة لها، و "مساجد" مفعول أول لمنع، وهي جمع مسجد وهو اسم مكان السجود، وكان من حقه أن يأتي على مفعل بالفتح لانضمام عين مضارعه ولكن شذ كسره كما شذت ألفاظ يأتي ذكرها، وقد سمع "مسجد" بالفتح على الأصل، وقد تبدل جيمه ياء ومنه: المسيد في لغة.
قوله: "أن يذكر" ناصب ومنصوب، وفيه أربعة أوجه، أحدها: أنه مفعول ثان لمنع، تقول: منعته كذا. والثاني: أنه مفعول من أجله أي: كراهة أن يذكر. وقال الشيخ: "فتعين حذف مضاف أي دخول مساجد الله، وما أشبهه". والثالث: أنه بدل اشتمال من "مساجد"، أي: منع ذكر اسمه فيها. والرابع: أنه على إسقاط حرف الجر، والأصل: من أن يذكر، وحينئذ يجيء فيها المذهبان المشهوران من كونها في محل نصب أو جر، و "في خرابها" متعلق بسعى. واختلف في "خراب": فقال "هو اسم مصدر بمعنى التخريب كالسلام بمعنى التسليم، وأضيف اسم المصدر لمفعوله لأنه يعمل عمل الفعل. وهذا على أحد القولين في اسم المصدر [ ص: 79 ] هل يعمل أو لا؟ وأنشدوا على إعماله: أبو البقاء:
685 - أكفرا بعد رد الموت عني .. وبعد عطائك المئة الرتاعا
وقال غيره: هو مصدر خرب المكان يخرب خرابا، فالمعنى: سعى في أن تخرب هي بنفسها بعدم تعاهدها بالعمارة، ويقال: منزل خراب وخرب كقوله:
686 - ما ربع مية معمور يطيف [به] غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب
فهو على الأول مضاف للمفعول وعلى الثاني مضاف للفاعل.
قوله: "ما كان لهم أن يدخلوها": "لهم" خبر "كان" مقدم على اسمها، واسمها "أن يدخلوها" لأنه في تأويل المصدر، أي: ما كان لهم الدخول، والجملة المنفية في محل رفع خبر عن "أولئك".
قوله: "إلا خائفين" حال من فاعل "يدخلوها"، وهذا استثناء مفرغ من الأحوال، لأن التقدير: ما كان لهم الدخول في جميع الأحوال إلا في حالة الخوف. وقرأ "خيفا" وهو جمع خائف، كضارب وضرب، والأصل: خوف كصوم، إلا أنه أبدل الواوين ياءين وهو جائز، قالوا: صوم وصيم، وحمل أولا على لفظ "من"، فأفرد في قوله: "منع، وسعى" وعلى معناها ثانيا فجمع في قوله: "أولئك" وما بعده. أبي
قوله: "لهم في الدنيا خزي" هذه الجملة وما بعدها لا محل لها [ ص: 80 ] لاستئنافها عما قبلها، ولا يجوز أن تكون حالا لأن خزيهم ثابت على كل حال لا يتقيد بحال دخول المساجد خاصة.