قوله: "بقدرها" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ "سالت"، والثاني: أنه متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ "أودية". وقرأ العامة بفتح الدال، وزيد بن علي والأشهب العقيلي في رواية بسكونها، وقد تقدم ذلك في سورة البقرة. وأبو عمرو
[ ص: 39 ] و "احتمل" بمعنى حمل فافتعل بمعنى المجرد، وإنما نكر الأودية وعرف السيل; لأن المطر ينزل في البقاع على المناوبة، فتسيل بعض أودية الأرض دون بعض، وتعريف السيل لأنه قد فهم من الفعل قبله وهو "فسالت" وهو لو ذكر لكان نكرة، فلما أعيد أعيد بلفظ التعريف نحو: "رأيت رجلا فأكرمت الرجل" [والزبد: وضر الغليان وخبثه] قال النابغة:
2852 - فما الفرات إذا هب الرياح له ترمي غواربه العبرين بالزبد
وقيل: هو ما يحتمله السيل من غثاء ونحوه، وما يرمي به [على] ضفته من الحباب. وقيل: هو ما يطرحه الوادي إذا جاش ماؤه، وارتفعت أمواجه. وهي عبارات متقاربة. والزبد: المستخرج من اللبن. قيل: مشتق من هذا لمشابهته إياه في اللون، ويقال: زبدته زبدا، أي: أعطيته مالا، يضرب به المثل في الكثرة، وفي الحديث: "غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر".قوله: ومما يوقدون هذا الجار [خبر مقدم، ومبتدؤه "زبد"]. و "مثله" صفة المبتدأ، والتقدير: ومن الجواهر التي هي كالنحاس والذهب [ ص: 40 ] والفضة زبد، أي: خبث مثله، أي: مثل زبد الماء، ووجه المماثلة: أن كلا منهما ناشئ من الأكدار.
وقرأ الأخوان وحفص: "يوقدون" بالياء من تحت، أي: الناس، والباقون بالتاء من فوق على الخطاب.
و "عليه" متعلق بـ "يوقدون". وأما "في النار" ففيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ يوقدون، وهو قول الفارسي والحوفي الثاني: أنه متعلق بمحذوف، أي: كائنا أو ثابتا، قاله وأبي البقاء. وغيره. ومنعوا تعلقه بـ "يوقدون" لأنهم زعموا أنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بـ "يوقدون" يقتضي تخصيص حال من حال أخرى. وهذا غير لازم. قال مكي قد يوقد على الشيء وإن لم يكن في النار، كقوله تعالى: أبو علي: فأوقد لي يا هامان على الطين
والطين لم يكن فيها، وإنما يصيبه لهبها، وأيضا فقد يكون ذلك على سبيل التوكيد كقوله تعالى: ولا طائر يطير بجناحيه .
قوله: "ابتغاء" فيه وجهان، أظهرهما: أنه مفعول من أجله. والثاني: أنه مصدر في موضع الحال، أي: مبتغين حلية، و "حلية" مفعول معنى. "أو متاع" نسق على "حلية"، فالحلية ما يتزين به، والمتاع: ما يقضون به [ ص: 41 ] حوائجهم كالمساحي من الحديد ونحوها. و "من" في قوله: ومما يوقدون تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون لابتداء الغاية، أي: ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء. والثاني: أنها للتبعيض، بمعنى: وبعضه زبد.
قوله: "جفاء" حال. والجفاء: قال "المتفرق". يقال: جفأت الريح السحاب، أي: قطعته وفرقته. وقيل: الجفاء: ما يرمي به السيل. يقال: جفأت القدر بزبدها تجفأ، وجفأ السيل بزبده وأجفأ وأجفل، وباللام قرأ ابن الأنباري: قال رؤبة بن العجاج. "لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفار"، يعني أنه أعرابي جاف. قلت: قد تقدم ثناء أبو حاتم: عليه أول البقرة، وذكر فصاحته. وقد وجهوا قراءته بأنها من أجفلت الريح الغنم، أي: فرقته قطعا فهي في المعنى كقراءة العامة بالهمزة. الزمخشري
وفي همزة "جفاء" وجهان، أظهرهما: أنها أصل لثبوتها في تصاريف هذه المادة كما رأيت. والثاني: بدل من واو، وكأنه مختار وفيه نظر; لأن مادة جفا يجفو لا يليق معناها هنا، والأصل عدم الاشتراك. أبي البقاء
قوله: "كذلك يضرب" الكاف في محل نصب، أي: مثل ذلك الضرب يضرب.