قوله: "بواد"، أي: في واد، نحو: هو بمكة.
قوله: عند بيتك يجوز أن يكون صفة لـ "واد". وقال أبو البقاء: "ويجوز أن يكون بدلا منه"، يعني أنه يكون بدل بعض من كل، لأن الوادي أعم من حضرة البيت. وفيه نظر، من حيث إن "عند" لا تتصرف.
قوله: "ليقيموا" يجوز أن تكون هذه اللام لام أمر، وأن تكون لام علة. وفي متعلقها حينئذ وجهان، أحدهما: أنها متعلقة بـ "أسكنت" وهو ظاهر، ويكون النداء معترضا. الثاني: أنها متعلقة بـ "اجنبني"، أي: اجنبهم الأصنام ليقيموا، وفيه بعد.
قوله: أفئدة من الناس العامة على "أفئدة" جمع "فؤاد" كغراب وأغربة. وقرأ هشام عن ابن عامر بياء بعد الهمزة، فقيل: إشباع، كقوله:
2895 - ... ... ... ... يحبك عظم في التراب تريب
[ ص: 113 ] أي: ترب، وكقوله: 2896 - أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب
وقرأ زيد بن علي: "إفادة" بزنة "رفادة"، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكون مصدرا لأفاد كأقام إقامة، أي: ذوي إفادة، وهم الناس الذين ينتفع بهم. والثاني: أن يكون أصلها "وفادة" فأبدلت الواو همزة نحو: إشاح وإعاء.
وقرأت أم الهيثم "أفودة" بواو مكسورة، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكون جمع "فواد" المسهل: وذلك أن الهمزة المفتوحة المضموم ما قبلها يطرد قلبها واوا نحو: جون، ففعل في "فؤاد" المفرد ذلك، فأقرت في الجمع على حالها. والثاني: قال صاحب "اللوامح": "هي جمع وفد". قلت: فكان ينبغي أن يكون اللفظ "أوفدة" بتقديم الواو، إلا أن يقال: إنه [ ص: 114 ] جمع "وفدا" على "أوفدة" ثم قلبه فوزنه أعفلة، كقولهم: آرام في أرآم وبابه، إلا أنه يقل جمع فعل على أفعلة نحو: نجد وأنجدة، ووهي وأوهية. وأم الهيثم امرأة نقل عنها شيء من اللغة.
وقرئ: "آفدة" بزنة ضاربة، وهي تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون مقلوبة من أفئدة بتقديم الهمزة على الفاء فقلبت الهمزة ألفا، فوزنها أعفلة كآرام في أرآم.
والثاني: أنها اسم فاعل من أفد يأفد، أي: قرب ودنا، والمعنى: جماعة آفدة، أو جماعات آفدة.
وقرئ: "آفدة" بالقصر، وفيها وجهان أيضا، أحدهما: أن يكون اسم فاعل على فعل كفرح فهو فرح. والثاني: أن تكون محففة من "أفئدة". بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحذف الهمزة.
و "من الناس" في "من" وجهان، أحدهما: أنها لابتداء الغاية. قال الزمخشري : ويجوز أن تكون "من" لابتداء الغاية كقولك: "القلب مني سقيم" تريد: قلبي، كأنه قيل: أفئدة ناس، وإنما نكرت المضاف في هذا التمثيل لتنكير "أفئدة" لأنها في الآية نكرة، ليتناول بعض الأفئدة. قال الشيخ: "ولا يظهر كونها للغاية; لأنه ليس لنا فعل يبتدأ فيه بغاية ينتهي إليها، إذ لا يصح جعل ابتداء الأفئدة من الناس". [ ص: 115 ] والثاني: أنها للتبعيض، وفي التفسير: لو لم يقل "من الناس" لحج الناس كلهم.
قوله: "تهوي" هذا هو المفعول الثاني للجعل. والعامة "تهوي" بكسر العين بمعنى: تسرع وتطير شوقا إليهم. قال:
2897 - وإذا رميت به الفجاج رأيته يهوي مخارمها هوي الأجدل
2898 - حتى إذا ما هوت كف الغلام لها طارت وفي كفه من ريشها بتك
2899 - تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمن الجن كأنجاسها
2900 - ... ... ... ... يهوي مخارمها هوي الأجدل
وقرأ مسلمة بن عبد الله: "تهوى" بضم التاء وفتح الواو مبنيا للمفعول من "أهوى" المنقول من "هوي" اللازم، أي: يسرع بها إليهم.


